للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمسلك الثاني للأصحاب - أن الإيتاء يجب قبل العتق، وهذا يعتضد بظاهر القرآن، فإنه تعالى قال: {فَكَاتِبُوهُمْ ... {وَآَتُوهُمْ} [النور: ٣٣]، وقد يظهر للناظر أن المقصود الظاهر من الإيتاء الإعانة إما بإعطاء شيء وإما بتخفيفٍ بالحط. ولم يصر أحد من الأصحاب إلى إيجاب الإيتاء وقت العقد على التضييق، حتى تتوجه الطَّلِبةُ به قبل الانتهاء إلى النجم الأخير. [هذا قولنا] (١) في وقت وجوب الإيتاء.

١٢٥٣٣ - فأما الكلام فيما يتادى به واجب الإيتاء، فقد قال طوائف من الأئمة: يكفي منه ما يتموّل أو يجوز أن يكون عوضاً، فإن زاد، فهو تكرم وذهب ذاهبون إلى أنه لا يقع الاكتفاء بأقل ما يتمول، ومتعلق الأولين أنه [لم يُرَ] (٢) في الشرع توقيف يرشد إلى تقدير أو تقريب، أما التقدير، فبين، وأما التقريب، فمثل ما اقتضاه ظاهر قوله تعالى: {مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: ٢٤١]. فتلقى العلماء من المعروف التوسط بين التقليل والتكثير، كما مضى مشروحاً في بابه. والإيتاء ليس مقدراً ولا مقيداً بما يقتضي تقريباً، فإنه تعالى قال: {وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} [النور: ٣٣]، ومقتضى {مِن} التبعيض، وإذا نظمنا معناه، كان التقدير (وآتوهم بعض ما آتاكم الله) واسم البعض ينطلق على القليل والكثير.

ومن تمسك بالمسلك الثاني: احتج بأن الإيتاء مأمور به لغرضٍ لا يخرج من (٣) الإعانة وتمهيد بُلغة بعد العتق، ومن أنكر ذلك من مقصود الشارع، فهو جاحد، والحبة فما دونها لا تسدّ مسدّاً في إعانة، ولا في بلغة، وليس هذا كالمهر؛ فإن الغرض من إثباته أن [لا] (٤) يثبت البضع مجرداً عن مقابل، وهذا يتحقق بما يصح أن يكون عوضاً.

فإن اعتبرنا أقل ما يتمول، فلا إشكال يختص بما نحن فيه، وقد ذكرت في مواضع معنى ما يتمول، ومن اعتبر الغرض، فالأوجه معنى الإعانة، وهذا يختلف


(١) في الأصل: " هذا قوله ".
(٢) في الأصل: " لم يزل ".
(٣) (من): بمعنى: (عن).
(٤) زيادة من المحقق، لا يستقيم الكلام بدونها.