للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما - عمومُ البلوى؛ فإن قليلَه يعم. والآخر - أن المرعيّ في تنزيه البدن والثياب عن النجاسات في الصلاة، تعظيمُ أمرها، وتوقيرُها، وحمل المكلف على إقامتها على أحسن هيئة، وأنظف زينة.

والكثير (١ من الفن الذي نحن فيه قد لا يعم وقوعاً، ولا يظهر الابتلاء به، ويفحش أيضاً في النظر، ولكن ١) من حيث لا ينضبط المَيْزُ بين القليل والكثير، بتوقيفٍ شرعي ولا بوجهٍ من الرأي، قال فقهاؤنا: القليل معفو عنه، وفي الكثير وجهان: أحدهما - لا يُعفى عنه لما ذكرناه، والثاني - يُعفى عنه نظراً إلى الجنس، ولما أشرنا إليه من عسر التمييز بين القليل والكثير، وإذا كان كذلك، فَلَوْ لم يُعفَ عن الكثير، لجرَّ ذلك تنغيصاً في العفو عن القليل، من جهة أنه قد يعتقد المعتقد أن ما يراه قليلاً في أوائل حد الكثرة.

والظاهر في المذهب الفرق بين القليل والكثير، فليقع التعويل عليه.

١٠٥١ - ثم سر هذا الفصل الكلام في ضبط القليل وتمييزه عن الكثير.

نقل الرواة عن الشافعي في القديم أنه قال مرة: "القليلُ من دم البراغيث، وما في معناه، قدرُ الدينار"، وقال مرة أخرى: "قدرُ كف"، وهذا مشكل لا نعرف له مستنداً، وهو في حكم المرجوع عنه، فليعتمد مسلكه في الجديد، [وقد استنبط الأئمة وجوهاً من الكلام من مسالكه في الجديد] (٢)، ونحن نأتي عليها إن شاء الله تعالى.

فقال قائلون: إن كان موضع التلطخ بحيث يلوح ويلمع للناظر من غير احتياج إلى تأمل، فهذا في حكم الكثير، وهذا يستند إلى خروج رتبة الصلاة عن الجهة المبتغاة في التحسين، ورعاية النظافة، فهذا مسلك.

والمسلكُ الأفقه في ذلك: أن المقدار الذي يجري التلطخ به غالباً، ويتعذر التصون منه هو القليل المعفوّ عنه، فنأخذ القليل مما نأخذ منه أصلَ الفصل، وهو


(١) ما بين القوسين ساقط من: (ت ٢).
(٢) زيادة من: (ت ١)، (ت ٢).