للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١٠٥٦ - فأما ما عدا ذلك من ضروب النجاسات، كالبول، والعذرة، وغيرهما، فلا عفو فيها، قلَّت، أو كثرت، ولا يستثنى منها إلا عفو الشرع عن الأثر اللاصق بسبيل الحدث، عند الاقتصار على الأحجار في الاستجمار، وذلك عند الشافعي مخصوص عن جميع جهات النظر، والمتّبع فيه الخبر فحسب.

واتخذ أبو حنيفة (١) ذلك (٢) أصلاً في جميع النجاسات المغلّظة عنده، ورَاه قدر الدرهم البغلي. وهذا نظرٌ حائد عن جهة قطْعِنا بأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطرُدوا هذا العفو في كلِّ نجاسةٍ في كلِّ محل، وكانوا أوْلى من يفهم ذلك من الشارع، لو كان صحيحاً؛ فإذن لا قياس على الاستنجاء، ولا عفو فيما عدا الدم الموصوف.

١٠٥٧ - وتردد نص الشافعي رحمه الله فيما لا يدركه الطرف لا لخفاء لونه، ولكن لصغر قدره، فقال مرة: لا عفوَ مع تيقن الاتصال. وقالى في موضعٍ: إنه يعفى عنه.

وقيل: إنه استشهد عليه بأن السلف كانوا لا يحترزون عن عَوْد الذباب الواقعة على النجاسة وقت قضاء الحاجة إلى ثيابهم، وفي هذا الاستشهاد نظر، من جهة أن أرجل الذباب تجف في الهواء بين ارتفاعها من النجاسة، ووقوعها على الثوب، وآية ذلك أنه لا يظهر لذلك أثر على الثوب، وإن كثر، والقليل إذا توالى، وكثر، ظهر كوَنيم (٣) الذباب؛ فإن ما يتوالى منه يظهر على الثوب، وأيضاً، فإن التزام ذب الذباب عسر، وهو ملحق بالغبار الذي يلحق بدنَ الإنسان، وهو ثائر من الدِّمَن والمزابل، والمواضع النجسة، فهذا معفو عنه، وإن كان واقعاً قطعاً؛ من جهة أن التحرز لا سبيل إليه.

١٠٥٨ - ومما يتصل به أن الذي لا يُعفى عنه من النجاسات، إذا صلى الإنسان معها، وهو غير شاعر بها، فإذا تحلل عن الصلاة، واستبان الأمر، فالمنصوص في الجديد


(١) ر. مختصر الطحاوي: ٢١، مختصر اختلاف العلماء: ١/ ١٣١ مسألة: ٢٠، الهداية مع فتح القدير: ١/ ١٧٧.
(٢) "ذلك" إشارة إلى العفو عن نجاسة موضع الاستجمار.
(٣) الوَنِيم: خُرء الذباب. (المعجم).