إذا خرج في وسط الوقت، وحاول هذا فرقاً عظيماً ولكنه عَسِر، وحاصله أن المسافر مرّ عليه الوقت مسافراً، كما مر عليه الوقت في البلد، وإذا استمر الوقت والتكليف بالصلاة، ففرضية الصلاة لا تضاف على التخصيص إلى وقت معين. والحائض أدركت قبل الحيض وقتاً، ثم استمر المانع، فانحصر الوجوب في وقت الإمكان على التعيين، وهذا لا يتحصل إذا تأمل. والله أعلم.
١٢٨٤ - ولو انقضى الوقت بكماله في البلد، وجب إتمام القضاء عند أصحابنا.
وذهب المزني إلى أنه لا يجب الإتمام، وللمسافر أن يقصر الصلاة التي مرّ وقتها في الحضر، فهو ينظر إلى وقت القضاء، قائلاً: إذا كانت المؤداة تقصر، فالمقضية تقصر. وهذا مما انفرد به دون الأصحاب.
١٢٨٥ - ولو لم يبق من وقت الصلاة إلا ما يسع ركعة مثلاً، فخرج وهذا المقدار باقٍ، فهل يقصر أم لا؟ والتفريع على أنه يقصر لو خرج في وسط الوقت؟ فعلى وجهين بناهما الأئمة على أن الصلاة لو افتتحت هل تكون قضاء أم أداءً إذا كان المرء مستديماً للإقامة؟ وفيه خلاف قدمناه، فإن قلنا: هي مقضية، فلا تقصر، وإن سافر وقد بقي تكبيرة مثلاً، فإن قلنا: لا يقصر، وقد بقي مقدار ركعة، فهذه الصورة أولى بذلك. وإن قلنا: يقصر في الأولى، ففي هذه الصورة وجهان: وإنما رتبنا الآن الركعة، وقد يدرك بها القصر كالمسبوق يدرك ركعة من الجمعة، فإنه يصير مدركاً لها، ولو أدرك مقدار تكبيرة، لم يكن مدركاً للجمعة، والجمعة على صورة ظهرٍ مقصورة.
١٢٨٦ - ومما يتعلق بإتمام البيان أن المسافر لو خرج، وقد بقي مقدار ركعتين، فهو في الترتيب كما لو بقي مقدار ركعة؛ فإن الخلاف ينشأ من تردد الأصحاب في أن الصلاة في مثل هذه الصورة لو قدّر الشروع فيها، فتكون مقضية أو مؤداة؟ وهذا يجري في ركعتين وثلاث ركعات يُفرض إدراكها، ويقع شيء وراء الوقت، كما يفرض في إدراك ركعة واحدة، فإذا صارت الصلاة مقضية في حق المكلف قبل البروز، فلا سبيل إلى القصر.