للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطاعة، فالذي يقتضيه قياس النص أن الحكم للقصد الأول، ولا حكم لطريان قصد الطاعة. فأما ابن سريج، فإنه يتبع موجب قصده، طارئاً كان أو مقارناً لإنشاء السفر.

فنقول: إذا تاب، نظر: فإن كان بينه وبين المقصد مرحلتان، فصاعداً، قصر، وأفطر، وإن كان، أقل، فلا يترخص برخص السفر الطويل، وهو من وقت توبته كمبتدىءٍ سفراً، وقطع بعض المصنفين بهذا الجواب، في طريان قصد الطاعة ولم يذكر قياس النص، ولا سبيل إلى القطع؛ فإن طريان الطاعة على المعصية، كطريان المعصية على الطاعة.

١٣٢٨ - ومما ذكره الصيدلاني: أن الرجل إذا عصى بإقامته، كالعبد أمره مولاه أن يسافر في جهة ولا يعرِّج (١) في موضعٍ ما، فأقام من غير عذر، فقد عصى، فهل يمسح في إقامته على الخف يوماً وليلة؟ فعلى وجهين: أحدهما - لا يمسح؛ لأن هذا من رخص الإقامة، وهو عاصٍ بها، فصار كما لو كان عاصياً بسفره.

والثاني - أنه يمسح؛ فإن المسح لا يختص بالإقامة، ولو قدرنا ارتفاع الإقامة، لكان يمسح، فلا معنى لعدّ المسح من رخص الإقامة، بل هو سائغ سفراً وحضراً، ولكن الإقامة تمنع من الزيادة على يوم وليلة، فهذا أثر الإقامة وخاصيتها، لا أصل المسح.

١٣٢٩ - وقد ذكر صاحب التلخيص لفظةً مختلة نذكرها عنه، وذلك أنه قال: إنما يقصر المسافر في سفر الطاعة، وهذا يدلّ على أن كون السفر طاعة شرطٌ، وليس كذلك، بل الشرط ألا يكون سفر معصية، فإن كان ما ذكره زللاً في اللفظة؛ من جهة أن اللسان يبتدر إلى مقابلة المعصية بالطاعة ازدواجاً، فهو سهل، وإن كان ذلك عن عَقْدٍ، فهو خطأ باتفاق الأصحاب.

١٣٣٠ - ثم قال علماؤنا: نحن وإن لم نشترط أن يكون السفر سفر طاعة، فنشترط أن يكون فيه غرض صحيح، كالتجارة، والزيارة وغيرها، فأما إذا كان يتقلب في


(١) "يعرّج": أي يقيم.