الأرض وينتقل من بلدة إلى بلدة، وليس له غرض صحيح معقول؛ فإنه لا يترخص [وإن تَحَدد قصدُه في سفره](١)، وخرج عن مضاهاة من يهيم ولا مقصد له؛ لأن الرخص أثبتت لتحصيل ذريعة إلى تحصيل أغراض المسافرين.
وقد قال الصيدلاني: لا يحل للإنسان أن يتعب نفسه ودابته في سفره من غير غرض، فليتحقق السفر على هذا التقدير من غير غرض بسفر المعصية.
فإن قيل: إذا جوزنا للذي يسلك أبعد الطريقين من غير غرض أن يقصر، فهلا جوزنا للذي ليس له غرض صحيح في سفره مثلَ ذلك؟ قلنا: ذلك القول أوّلاً بعيد، لا اتجاه له، ثم قد يخطر لناصر ذلك القول أن غرضه في مقصده ثابت ولا مضايقة معه في تغير الطرق، والذي نحن فيه في تفصيل حكم من لا غرض له في مقصدٍ ولا سفر.
وكان شيخي يقول: لو كان غرض المسافر أن يرى البلاد، وينظر إليها، فليس هذا من الأغراض التي يُبالى بها، ولا يحتمل العاقل المشاقَّ وركوبَ أخطار الأسفار لأجل ذلك.
فروع متصلة بهذا الأصل، منها:
١٣٣١ - أن الرجل إذا ردَّى نفسَه من علُو، فانخلعت قدماه، فإذا بَرَأ، فهل يعيد الصلوات المفروضة التي أداها قاعداً؟ المذهب أنه لا يقضيها؛ لأن المعصية انتهت بسقوطه، وما كان عاصياً في دوام قعوده.
ومن أصحابنا من قال: إنه يقضي، فإن قعوده كان بسبب المعصية، فجُعل كعين المعصية، وهذا القائل يستشهد بالسُّكْر؛ فإنه ليس معصية في نفسه؛ فإنه ليس فعلاً مقدوراً للمكلف، ولكن لما كان مترتباً على الشرب، لم يتضمن تخفيفاً في باب العبادات.
(١) في الأصل، وفي (ط): "وإن لم يجدد سفره في قصده" وفي (ت ١): "وإن تجدد سفره في قصده" وعبارة ابن أبي عصرون: "إن تجرّد سفره في قصده" والمثبت تقديرٌ منا. نرجو أن يكون صواباً؛ فإن المعنى أنه كان يضرب في الأرض، منتقلاً من بلدة إلى بلدة أخرى، في ترتيب وتخطيط معروف له، فهذا يخرجه عن مضاهاة الهائم بغير مقصد، ولكنه لم يخرج عن المسافر في غير غرض صحيح. ثم جاءت (ل) بلفظ (وإن تجدد) مثل (ت ١).