للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأبو حنيفة لما لم يلزم الاتباع، فلم يزل يخلّ قليلاً قليلاً، حتى اكتفى بأن يقول الإمامُ قبل الصلاة: "سبحان الله" في نفسه (١)، ولا شك أن هذا إسقاطٌ لشعار الخطبة، ومذهبه في هذا بمثابة أصله في أقل الصلاة.

ونحن نذكر أركان الخطبتين، ثم نذكر شرائطهما، ثم نعود فنذكر رعاية الآداب فيهما، من أول الافتتاح إلى الاختتام.

١٤٥٩ - فأما الأركان، فقد قال أئمتنا: المرعيّ المتبع في الخطبتين خمسةُ أشياء:


= للجمعة خطبتين يجلس بينهما". (ر. التلخيص: ٢/ ٥٨ ح ٦٢٧، البخاري: الجمعة، باب الخطبة قائماً، ح ٩٢٠، وباب القعدة بين الخطبتين يوم الجمعة، ح ٩٢٨، مسلم: الجمعة، باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة، ح ٨٦١، ٨٦٢، والنسائي: الجمعة، باب (٣٢) ح ١٤١٦ - ١٤١٨، والكبير للطبراني: ٦٦٦١).
(١) الخطبة عند الأحناف شرطٌ لصحة الجمعة، ويتحقق الشرط بخطبة واحدة، ويسنّ خطبتان.
أما كيفيتهما، فيسنّ أن تكونا خفيفتين، وتكره زيادتهما على قدر سورة من طوال المفصل، كما يكره قِصرهما عن قدر ثلاث آيات. كراهة تنزيه.
أما أقلّ ما يتحقق به الشرط (الخطبة) فيكفي فيه تسبيحة، أو تحميدة، حتى لو عطس فحمد الله لعطاسه، ثم نزل عن المنبر، لكفاه ذلك. (لم نر في كتبهم تصريحاً بأنه يكفي تسبيحة في نفسه).
ذلك أنهم فسّروا (الذكر) بالخطبة في قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] فكفى عندهم فيها مطلق الذكر، وأقل ما يقع عليه الاسم.
(ر. حاشية ابن عابدين: ١/ ٥٤٣، بدائع الصنائع: ١/ ٢٦٢، ٢٦٣).
وكما ترى ليس معنى كلام الأحناف أنهم يدعون إلى الاكتفاء في الخطبة بتسبيحة أو تحميدة، بل يكرهون ذلك. ولذا كنا نتمنى ألا نرى هذا الغمز من إمام الحرمين للإمام الأعظم أبي حنيفة. رضي الله عنهم جميعاًً. وعسى أن تهيىء لنا الأقدار أدلة تثبت أن هذا الكلام مدسوس على إمام الحرمين، وزيد في كتبه، ومن يدري ربما تقع لنا نسخة عالية الإسناد، قريبة من عصر المؤلف، أو مقروءة عليه خالية من هذا الطعن في أبي حنيفة، وعسى أن يكون قريباً.
ويؤيد توقعنا هذا أن الإمام الغزالي تلميذ إمام الحرمين، ابتلي بهذا -في حياته- فدسوا عليه في كتبه طعناً في أبي حنيفة، ولكنه استدرك الأمر. (في قصة تطول، ولها مكان آخر).