للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢٠٠٢ - اعترض المزني وقال: كيف تصح القسمة في الثمار، والقسمةُ بيعٌ، وبيع الرطب بالرطب باطل، فقال الأصحاب: قال الشافعي في الكبير: لو اقتسموا قسمة صحيحةً، فنبّه على ما ذكرتُه، وغرضه أن يتفاصلا، وتصوير ذلك بوجه من المقابلة ممكن من وجوه: منها أن الورثة اثنان زيد وعمرو وبينهما نخلتان شرقية وغربية، ولكل واحد منهما النصف من أصل كل نخلة وثمرتها، فيبيع زيد نصيبه من النخلة الشرقية، من عمرو أصلها وثمرتها بعشرة، ويبيع عمرو نصيبه من أصل النخلة الغربية وثمرتها، من زيد بعشرة، ثم يتقاصَّان العشرة بالعشرة، فتخلص الشرقية لعمرو، والغربية لزيد. فهذا وجه في التفاصل.

ووجهٌ آخر، وهو أن يقول زيد لعمرو: بعت منك نصيبي من أصل النخلة الشرقية، بنصيبك من ثمرة النخلة الغربية، ويقول عمرو لزيد بعت منك نصيبي من أصل النخلة الغربية بنصيبك من ثمرة النخلة الشرقية، فإذا قبلا، خلصت الشرقية لأحدهما بثمرها، وخلصت الغربية للثاني، ولا ربا؛ لأن الجذع من كل نخلة هو المجعول عوضاً للنصيب من الثمرة. وهذا القدر كاف في التصوير.

والصيدلاني لما ذكر الوجه الثاني، قال: هذا مما لم يذكره الشيخ (١)، فقضَّيتُ العجب من هذا، فأين يقع التصوير من معاصات الفقه، حتى ينتهي التأنق (٢) إلى


(١) لم يبين إمام الحرمين المقصود بالشيخ هنا، وهو لقب مشترك أعيانا تتبعه لنعرف من المقصود به، حتى ترجح لدينا، بل تيقّنا أنه عند إطلاقه يريد به الشيخ أبا علي السنجي، ولكن هل يمكن هنا، في هذا الموضع، وهو يجريه على لسان الصيدلاني أن يراد به السنجي أيضاًً؟؟ احتمالٌ قائم ولكن يعكر عليه أن الصيدلاني معاصر للسنجي، فقد توفي الأول سنة ٤٢٧ هـ والثاني سنة ٤٣٠ هـ. وغير معهود حكاية أقوال المعاصرين، ونقلها، إلا نادراً!! فهل الصيدلاني يقصد بالشيخ أستاذه أبا بكر القفال المروزي؟ فقد علق على المزني شرحاً يسمى عند الخراسانيين بطريقة الصيدلاني، وقد حررها عن شيخه القفال المروزي، كذا قال السبكي (طبقات الشافعية: ٤/ ١٤٨، ١٤٩). ثم قول إمام الحرمين في السطور التالية، "وكأن الطبقة المتقدمة ... " يشهد بأن (الشيخ) الذي يقصده الصيدلاني ليس من طبقته، بل هو متقدم عليه بيقين، كذلك قوله: "قَطْع الأستاذ"، فهو يعجب من نقد الصيدلاني لأستاذه، لعدم تصوير المسألة. فنستطيع أن نقطع الآن بأن المقصود بالشيخ هو القفال.
(٢) التأنق: طلب الأعجب، والأكمل. (معجم).