للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢٥٩٧ - وتمام البيان في ذلك: أن المقدار القليل من الطيب، لو غمره مقدارٌ كثير، مما ليس طيباً، فاستعمل المحرم منه، ما يستيقن أنه يشتمل على جِرم الطيب، فللأصحاب في هذا تردُّدٌ: فاعتبر بعضهم استيقان اتصال الطيب، وهو محقَّقٌ، والرائحةُ غير زائلةٍ، ولكنها مغمورة، والمغمورُ كالكائن الظاهر؛ ولهذا قال الأصحاب: إذا تغيرت رائحة الماء الكثير بالنجاسة، وحكم بنجاسته لذلك، فلو طُرح في الماء كافور، فغمر رائحة النجاسة، فالماءُ محكوم بنجاسته.

وقال بعضهم: لا يثبت حكم التطيب؛ إذ لا رائحة.

والمسألة فيه إذا كانت [الرائحة] (١) لا تثور بعلاجٍ، لقوّة الغَمر، ثم إن هؤلاء قالوا: لو انغمرت الرائحة وبقي الطعم [أو] (٢) اللون، فالأمر محتملٌ.

الظاهرُ (٣) أن استعماله تطيب، ولهذا قال الشافعي: إن كان الخبيص بحيث يصبغ اللسانَ، تعلّق وجوبُ الفدية بتعاطيه، وإن زالت رائحة الزعفران.

وقال بعض الأصحاب: الرائحة هي المعنية، وحقٌّ على الناظر، أن يميز بين ما يجري بسبب الانغمار، وبين أن يمّحق ريح الطيب مع بقاء جِرمه.

ولم أر أحداً من الأصحاب يفصّل بين القليل من الطيب والكثير، فَصْلَهم في النجاسات، ولعمري لا فَصْلَ؛ فإن المعتمدَ في النجاسات تعذُّر الاحتراز، وتيسره، ولا جريان له في الطيب. وليت شعري ماذا نقول فيما لا يدركه الطرف من الطيب؟ والعلم عند الله تعالى فيه.

٢٥٩٨ - فأما المقصود الثالث - وهو الكلام في العمد، والنسيان: فإذا تطيب المحرم ناسياً إحرامَه، لم يلتزم الفديةَ عندنا، قياساً على أكل الصائم ناسياً، وكلام المصلّي كذلك، خلافاً لأبي حنيفة (٤).


(١) ساقطة من الأصل.
(٢) في الأصل: " و ".
(٣) كذا. وهو استعمالٌ صحيح (بدون واو).
(٤) ر. بدائع الصنائع: ٢/ ١٩٢، حاشية ابن عابدين: ٢/ ٢٠٠، مختصر اختلاف العلماء: ٢/ ١٩٨ مسألة: ٦٦١.