للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

معنى الدقيق؛ فيمتنع بيع بعضهِ بالبعض، ويمتنع بيعُه بالبُرِّ.

وقد يعترض فيما (١) ذكرناه علةٌ أخرى مع ما ذكرناه؛ فإن الخبز في معنى المختلِط؛ إذ فيه ماء وملح. وسنذكر بعد ذلك إن شاء اللهُ تعالى منعَ بيع المختلط بمثلهِ.

فهذا قاعدةُ المذهب، وسنذكر إن شاء الله تعالى في آخر الفصل نصوصاً غريبة في ذلك.

فإن قيل: الحنطة المسوسة إذا قربت من العفونة، فما القول فيها؟ قلنا: ظاهر قول الأئمة جواز بيع بعضها بالبعض، وإن أمكن أن يقال فيها: إنها زايلت كمالَها، وهي أقرب إلى العفن من الدقيق. وإنما راعَوْا في هذا النظرَ إلى طرد القول في الجنس، ولا وجهَ غيرُه؛ فإنا لو ذكرنا غيرَ ذلك، لعَسُرَ النظرُ في تفصيل الحنطة، التي تمادى زمانُ احتكارِها. وهذا مما يعسرُ تتبعه.

ولعل هذا قبل أن تتآكل، فأما إذا تآكلت، وخلت أجوافُها، ففيها نظرٌ عندنا؛ فإن الأئمةَ أطلقوا بيع المسوسة بالمسوّسة، والمسوسة هي التي بدأ التآكل فيها، والقياس القطعُ بالمنع؛ إذ الحنطة المقليّة لا يباع بعضها ببعض، لما فيها من التجافي الحاصل بالقلي، فكذلك لا يجوز بيع الحنطة المبلولة بالحنطة المبلولة والجافَّة، لما ذكرناه في المقليّة، ولو بُلت الحنطة ونُحّي منها قشرتُها بالدّق والتهريس، وهي الكَشْك (٢) - قال الأئمةُ: هي كالدقيق؛ فإنها تفسد على القرب، ويتفاوت ما يزايلها من القشر، ولو بُلَّتْ ثم جُفّفت ولم تُهرَّسْ، فإنها تتشَنج في جفافِها على تفاوت يُفضي إلى جهلٍ بالمماثلةِ قبل البلّ، فإن كان كذلك، فالوجه المنع. وفي الجاوَرْس (٣) إذا نُحّيت منه القشرةُ احتمالٌ عندي، ولا شك في [جواز] (٤) بيع الرّز بالرّز المنقَّى عن قشرته. فتأَملوا هذه المراتبَ.


(١) في (هـ ٢): في بعض ما ذكرناه.
(٢) الكشك: وزان فَلْس: ما يعمل من الحنطة (مصباح).
(٣) الجاوَرس: بفتح الواو، حب يشبه الذرة، وهو أصغر منها. (مصباح).
(٤) مزيدة من (هـ ٢).