والإثبات، كما سنصفها في التفريع. وخرج الأئمة قولاً آخر أن اليمينَ تتعدَّدُ، وزعمُوا أنّهم أخذوا هذا من اختلاف الرجلين في دارٍ تحت أيديهما، كل واحدٍ يدعي أن جميعها له، فالمنصوصُ أنه يتعرَّض كل واحدٍ ليمينين في محالهما؛ إذ يد كل واحدٍ منهما ثابتة على نصف الدارِ، وهو فيه مدعىً عليه، فالقول قولهُ فيه مع يمينه، على نفي دعوى المدَّعي، ولو فُرض نكول من أحدِهما عن اليمين على ما هو مدعىً عليه فيه، رُدّت اليمينُ على صاحبه، فيأتي بيمين الردِّ على صيغة الإثبات، فيدور في الخصومة إمكان يمينين؛ فقال المخرجون: اختلاف المتبايعين بمثابة اختلاف المختلفين في الدار الكائنةِ تحت اليدَينِ؛ من جهة اشتمال الخصومتين في الموضعين على التعرض لمقام المدعي والمدعَى عليهِ.
وهذا مُخرجٌ والنص ما قدَّمناه من الاكتفاء بيمين. ومسألة الدار لا خلاف فيها، وليس هذا مما ينقل فيه الجوابُ من كل جانب إلى الجانب الآخر، حتى نفرضَ جَريان القولين في الجانبين نقلاً وتخريجاً. لكنْ مسألةُ الدار متفق عليها. وخرَّج المخرجون منها قولاً في اختلاف المتعاقدَيْن.
٣٢٦٦ - توجيه القولين: من قال بالقول المخرَّج اعتمد قياس الخصومات، ولا يكاد يخفى أن منصبَ المدعي يخالف منصبَ المدَّعَى عليه مخالفةً بينةً، والجمعُ بين مقامين مختلفين بعيدٌ ناءٍ عن القياس.
والذي نحققه أن الجمع بين الإثبات والنفي يتضمن تحليفَ المدعي ابتداءً في جهةِ دعواه من غير تقدّم نكولٍ من الخصم عن اليمين فيما هو مدعىً عليه. وهذا بعيدٌ جداً. وبيانه أن البائع إذا قال: ما بعتُ العبدَ بألفٍ، ولقد بعتُه بألفين، فقوله: بعتُ بألفَينِ إثباتُ ما يَدَّعيه، ونحن اعترفنا بخروج البداية بالمدعي في أيمان القسامة عن قياس الخصومات، مع ظهور اللوث والتأكّد بالعدد، ومسيس الحاجة إلى رفع غوائل المغتالين في خلواتٍ وأحيانٍ يَبعُد الإشهاد فيها. ولا ضرورة إلى الاقتصار على يمين واحدة هاهنا. هذا وجهُ هذا القول.
وأمَّا وجه القول المنصوص عليه أن البيع بين المتعاقدين في النفي والإثبات في حكم الخَصْلةِ الواحدة.