ولو حلف البائع على النفي والإثبات، فحلف المشتري على النفي، ولم يتعرض للإثبات، فالذي ذكرهُ الأئمة أنه يُقضى عليه، ويمضي العقدُ على موجب قول البائع.
وهذا في نهاية الإشكال؛ فإنا كنا نُبعد القضاء بالإثبات قبل النكول، وهذا قضاء بالإثبات مع تقدير اليمين على النفي.
وسبيلُ الجواب عنه أن صيغة اليمين على هذا القول التعرض للنفي والإثبات، واليمين تُعرض كذلك، فإذا لم يأت المشتري باليمين المعروضة عليه لا نحلّفُه على النفي، وإنما يتحقق النكول عن يمينِ تُعرض، فيأباها المعروض عليه.
٣٢٦٨ - ومما يتعلق ببيان التفريع على هذا القول أن الأئمةَ قالوا: حق من نحلّفه من المتعاقدَيْن أن يذكر صيغة الإقسام باللهِ ويبتدىء بعد ذكر المقسم به بالنفي، ثم يُعْقِب النفيَ بالإثبات؛ فيقول: باللهِ ما بعتُه بألفٍ، ولقد بعتُه بألفين. والغرضُ من ذلك تأصيل اليمين على النفي وإتباع الإثبات إياه؟ من جهة أن القائل قائلان، فيقع الإثبات تابعاً، والتبعية تقتضي تأخير ذكر التابع، وتقديمَ المتبوع.
والذي رأيتُ طُرقَ الأصحاب متفقةً عليهِ أن هذا الترتيب مستحقٌّ، وليس ترتيباً مستحبّاً. ولو فُرض قلب ذلك، لم يُعتدّ باليمين.
وحكى العراقيون عن الإصطخري أنه قال: ينبغي أن يُقدَّمَ الإثباتُ، ورأى ذلك فيما نُقلَ عنه حتماً. واعتمدَ أن الإثبات هو المقصود وفيهِ يقعُ التناقض المحقق.
وهذا متروك عليه؛ فإنه خالفَ الفقهَ الذي ذكرناه من استتباع النفي الإثباتَ. ثم غلا فرأى استحقاقَ تقديم الأثبات. ولو قال: لا يُستحقُّ ترتيبٌ في المقصودين (١) إذا كنا نقضي بالنكول عند ترك أحدِهما، لكان هذا منسلكاً في الاحتمال بعضَ الانسلاك.
هذا كُلّه تفريع على الحكم باتحاد اليمين.
٣٢٦٩ - فأما إذا فرَّعنا على القول الآخر، وهو أنا لا نجمع بين النفي والإثبات في يمينٍ واحدةٍ، فالتفريع على هذا القول مزِلّةٌ، وفيه الخبطُ الذي وعدناه، ونحن نأتي على ما يفصّل الأمر، إن شاء الله عز وجل.