وقد ظهر الوسيط محقَّقاً، وَوُجِدت نسختان بغير سقط للفظة (قتلة) وإن كان ابن الصلاح لم يعجبه ذلك، فقال: وقد غُيِّر هذا في بعض النسخ. فكأن ترك أو إسقاط لفظ (قتلة) كان عن قصدٍ وعمد!! كيف هذا؟ الله أعلم.
ولعل هذا هو الذي جعل موفق الدين الحموي في (شرح مشكلات الوسيط) يستجيب لهذا الكلام، ويتلمس له الصواب، فيقول:" يريد الغزالي أنه سأل قتلة ابن أبي الحقيق عن كيفية قتله، وإنما أهمل الشيخ ذكر القتلة لاشتهاره عند نقلة الحديث، وصار هذا من قبيل حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، كما في قوله تعالى:(واسأل القرية)، وبه خرج الجواب " ا. هـ بنصه شرح مشكلات الوسيط (ورقة ٥٧/أ، ب).
وهو كما ترى دفاع غير مستساغ ولا مقبول، وإنما هو من باب مجاراة الخصم، والله أعلم.
والصواب، هو ما عاد إليه الحافظ ابن حجر، من أن لفظة (قتلة) سقطت من الناسخ، وتعاقب عليها النساخ، وقد وُجدت نسختان من الوسيط بغير هذا السقط كما ألمعنا إلى ذلك آنفاً.
ولكي تُدرك أننا مصيبين في عدّ هذا تحاملاً من ابن الصلاح وابن حجر قارن هذا بمنهج إمام الحرمين حين يجد الخطأ في كلام مخالفيه فاحشاً، يردّه عنهم، ولا يقبل نسبته إليهم، بل يحمل ذلك على النقلة، أو النساخ، أو سوء الفهم، فمن ذلك قوله:
" وقد نُقل عن أبي هاشم أنه كان لا يحرم السجود بين يدي الصنم، ويقول: المحرّمُ القصد) فيرفض نسبة هذا القول إلى أبي هاشم المعتزلي -والمعتزلة خصومه- ويقول: " وهذا لم أطلع عليه من مصنفات الرجل، مع طول بحثي عنها " ثم يعرض رأي أبي هاشم صحيحاً كما رآه وحققه، ثم يبدأ في الرد عليه، وبيان فساده، فجمع أنه لا يقر رأي أبي هاشم، فهو لا يرضى في الوقت نفسه أن يزيَّف عليه، وأن يتزيد النقلة عليه بهذه الصورة.