للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ونصُّ الشافعي مردَّدٌ بين القولين، فإنه قال: " فأشبه الأمرين "، فكان هذا ترديداً. ثم قال: " وليس هذا كالمستعير "، ففي نصه تردد، وصغوُه إلى قول الضمان.

أمّا التفريع، فقد اختلفت الطرق، وتباينت المسالك. والسبب فيه ميلُ هذا الأصل عن قياس القواعد، وبعده عن الأفهام، فلا يكاد يحيط بأطراف المسألة إلا فقيه موفق.

٣٦٧٥ - فأول ما نصدّر الكلامَ به بعد ذلك أن العراقيين حَكَوْا عن ابن سريج أنه قال: إن جعلنا الرهن مشبهاً بالضّمان، فهو صحيح ثابت. وإن قلنا: يُنحَى به نحو العواري، فالرهن غير صحيح؛ فإن من حُكم الرهن أن يلزم بالقبض، والعارية لا تلزم. فلا وجه لجمع حكميهما النقيضين. ولكن كأن المعير وعد المستعير أن يرخص له في بيع المستعار، وصرفِ ثمنه إلى دينه، وليس بينهما إلا موعد ورجاء. فإن وفى فحسن، وإن أخلف، فله ذلك.

وهذا قريب في القياس بعيد في الحكاية. وسيكون لنا في أثناء الفصل إلى هذا عودةٌ مقرونة بتنبيه. فليقع التفريع على صحة الرهن. فالتفاريع نخرّجها على القولين، فنذكر من قضايا الفصل أحكاماً، ونفرعّ كل حكم على القولين، وإذا نجزت، تعدَّينا إلى حكمٍ آخر، حتى نأتي على أطراف المسألة.

٣٦٧٦ - فالذي أرى تقديمه القولُ في لزوم هذا الرهن. فإن فرَّعنا على قول العارية، فالذي ذكره القاضي أن للمعير أن يرجع عن إذنه قبل جريان الرهن، وله أن يفسخ الرهن بعد جريانه، وقبل اتصاله بالقبض، فإذا اتصل بالقبض، لم يملك المعيرُ فسخَ الرهن، والرجوعَ في العارية؛ فإنه لو ملك ذلك، لم يكن لهذا الرهن معنى، ولم تحصل به الثقة.

ومن دقيق ما ينبغي أن يتأمله الناظر في هذه التفاريع الفرقُ بين المستعير وبين

المرتهن، فالعارية متمحضة على قول العارية، في حق المستعير، فأما المرتهن، فليس مستعيراً وإذا لم يكن مستعيراً، وجب أن تثبت له خاصية الرهن، وهي وثيقة،