للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعم. كم من كتاب خرج بهذا التحقيق (العصري) مثقلاً بالحواشي والتعليقات، ينوء بما يسمونه التخريج والتوثيق، وأما النص -الذي هو عمل المحقق أصلاً- ففيه ما فيه من الخلل والاضطراب، فماذا تُغني هذه التعليقات إذاً!؟

ومن قبل تنبه علماء أجلاء، ومحققون أصلاء إلى هذه القضية، ونبهوا عليها، فها هو الشيخ عبد الله دراز يتحدّث عن عمله في تحقيق كتاب الموافقات، فيقول في مقدمته: " إنه إقامة النص، وتخليصه من التصحيف والتحريف "، ويسخر في مهارة وخفة من هذه التعليقات إياها، فيقول: " ولم أَرُمْ الإكثار في هذه التعليقات، وتضخيمها بالَّلم من المصنفات للمناسبات، بل جعلت المكتوب بمقياس المطلوب، واقتصرت على المكسوب في تحقيق المرغوب، إلا ما دعت ضرورة البيان إليه في النادر الذي يتوقف الفهم عليه " (١) اهـ.

وانظر كلام الميمني في منهج التحقيق عن إثبات الفروق والإسراف فيها: يقول الأستاذ عبد العزيز الميمني: " ... غير أني لم أنبه على أغلاط الأصل إلا على شيء نزر، رأيت في التنبيه عليه فائدة أو داعياً، وأغفلت منها قدراً جمّاً عدد الرمل والحصى، لأني لم أَرَ في ذكرها غرضاً غيرَ تسويد الكتاب، وتضييع أوقات القارىء فيما لا يجديه، وغير إبراز هوى النفس الأمّارة، المكنون في التحذلق والتفيهق، ورغماً لأنف من يستنكره عليَّ من نابتة العصر المتبجحين، فإني أرى -ولا كفران- أنه:

إذا رضيت عني كرام عشيرتي ... فلا زال غضباناً عليَّ لئامُها" (٢)

ومن أسفٍ غاب هذا المنهج عن كثيرين، وراج عند الناس هذا المنهج الآخر، حتى إنك لتجد أحدهم يقلِّب الكتاب بين يديه، فإذا وجده مثقلاً مظلماً بالتعليقات، تزدحم حواشيه بأسماء المراجع والمصادر، وأرقام الأجزاء والصفحات، قال في إعجاب، وهو يضغط على ألفاظه: " هذا كتاب مخدوم "!!! للأسف راجت العملة الرديئة.


(١) مقدمة الموافقات: ١/ ١٣.
(٢) مقدمة سمط اللآلي، تأمل هذا الكلام، وغضبة الرجل على هذا (اللون من التحقيق).

<<  <  ج: ص:  >  >>