للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكذلك لو دفع إليه ألفاً ليشتري به السِّمسمَ ويعصرَه ويبيعَه، لم يصح القراض كذلك.

٤٨٥٦ - ثم أجرى الأصحاب في ذلك كلاماً نأتي به، ونذكر ما فيه. فقالوا: لو أورد القراض على النقد، ورأى العامل أن يشتري به حِنطةً، فلا امتناع فيما يفعل، فلو اشتراها، وطحنها، فقد قال القاضي: يخرج ذلك الدقيق عن كونه مالَ القراض، ولو لم يكن في يده غيرُه، لانفسخ القراض؛ فإنه بعمله أخرجه عن جنسه وصفته، ولو باعه، لم يقع بيعُه للدقيق على وجه بيع العامل للسلع التي يُتربص بها ويُبغى ارتفاعُ أثمانها، فإذا كان ما يُفرض من فائدةٍ لا يحال على البيع والشراء، وإنما يحال على التغيير الذي وقع بفعلٍ، لو شرط في القراض، لأفسده، فخرج ذلك المالُ بذلك الفعل عن المقصود المرعي في [معاملة] (١) القراض، فإذا اختبط الأمرُ فيه، وأمكن حمل فائدةٍ -إن كانت- على التجارة وعلى التغيير الذي أحدثه، فلا وجه إلا الحكمُ بارتفاع المعاملة. هذا ما ذكره القاضي، وطوائف من المحققين.

وقال بانياً عليه: إذا أقر ربُّ المال العاملَ بطحن حنطةِ القراض، صار بذلك فاسخاً للعقد؛ لأن الحنطة تخرج بالطحن عن المعنى الذي نبهنا عليه، وينقسم النظر في الفوائد، فيجوز أن تُحمل على التجارة، ويجوز أن تُحمل على التغيير الواقع.

وهذا متجه حسن، وفي القلب مثه شيء إذا لم يقع الطحن شرطاً في المعاملة، ولا يبعد عن وجه الرأي الحكمُ بأن ما يتفق (٢) من هذه التغييرات لا يوجب انفساخ المعاملة؛ فإنا لا نعرف خلافاً أن من اشترى عبداً صغيراً فكبر، وشب، وباعه يافعاً، وكان اشتراه رضيعاً، فما يُفرض من فائدةٍ تحمل على التغيير الذي لحق المملوكَ، ثم لا يؤثر ذلك وفاقاً، ولا يجب القضاء بأن المملوك إذا تغيّر، خرج عن كونه مال قراض، فكذلك إذا جرى الطحن من غير شرط.

ويجوز أن يقال: التربص لا بد منه في التجارة، وهو يؤدي إلى تغايير تلحق الحيوان، فكان هذا في معنى الضرورة التي لا يتأتى دفعها، وليس كذلك التغيير الذي يلحق بفعل ينشأ. هذا ما أردنا التنبيه عليه.


(١) في الأصل: مقابلة.
(٢) (ي) (هـ ٣): يقع. والمعنى يتفق وقوعه من غير شرط، ومن غير تجريد القصد إليه وحده.