للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٤٨٥٧ - ومما يتصل بهذا الركن أنه لو كان له ألفُ درهمٍ على إنسان، فقال لآخر: قارضتك على مالي على فلان، فاقبضْه، وتصرفْ، فلا يصح القراض باتفاق الأصحاب على هذا الوجه؛ لأن النقد لم يكن عتيداً حالةَ العقد، واحتاج العامل إلى تحصيله، وتحصيلهُ ليس من أعمال التجارة. وقد ذكرنا أنه لا يجوز ضمُّ عملٍ إلى عمل التجارة في معاملة القراض.

ولا يصفو هذا حتى نبيّن معه أمراً آخر، فنقول: إذا أحضر ربُّ المالِ المالَ، وقال: إذا جاء رأسُ الشهر، فقد قارضتك على هذا المال، فالمعاملةُ فاسدةٌ، باتفاق الأصحاب، وإن كنا قد نجوّز تعليق الوكالة؛ فإن القراض ليس وكالة محضة، ولكنها معاملةٌ ضمنُها معاوضة، وقد احتمل الشرع فيها جهاتٍ من الجهالات على حسب الحاجات، فلا تحتمل ما لا حاجة إليه، والتعليقُ [منه] (١).

ولو قال: قارضتك الآن على هذه الدراهم، ولكن افتتح التصرفَ بعد شهر، ففي صحة القراض وجهان ذكرهما القاضي: أحدهما - المنع؛ لأن حاصل هذا يؤول إلى تعليق القراض أيضاً إذا (٢) كان لا ينتجز تسلُّط العامل على العمل في الحال.

فإذا ثبت هذا الذي ذكرناه، عُدنا إلى ما كنّا فيه من قوله: عاملتك على مالي على فلان، فاستوفِهْ، وتصرف، فهذه المعاملة ناجزةٌ، ولكن التصرف موقوف على الاستيفاء والقبض، فالمعاملة فاسدة، لم يختلف الأصحاب في فسادها، وإن اختلفوا فيه إذا كان النقد حاضراً، فقال: قارضتك الآن عليه، وتصرف بعد شهر، والسبب فيه أن معتمد القراض نقدٌ حاضر، والدَّيْن في الذمة، وإن كان مملوكاً، فهو أبعد عن إمكان التصرف من العروض.

٤٨٥٨ - ولو كان لرجل على رجلٍ ألفُ درهم، فقال مستحق الدين لمن عليه الدين: قارضتك على ما لي عليك، فانقده، وتصرف، فلا تصح هذه المعاملة؛ فإنا إذا كنا نمنع صحتها، والدَّيْنُ على الغير، فلأن نمنع صحتَها في هذه الصورة أولى،


(١) منه: أي مما لا حاجة إليه. وفي الأصل: فيه.
(٢) في النسخ الثلاث: "إذا"، وهي هنا بمعنى (إذْ)، وهو استعمالٌ سائغ كما أشرنا إلى ذلك من قبل، ومثلها (إذ) مكان (إذا) فهو سائغ أيضاً.