للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فصل

قال: "وإذا سافر كان له أن يكتري من المال مَنْ يكفيه بعضَ المؤنة ... إلى آخره" (١).

٤٨٧٥ - إذا كان القراض مطلقاً ولم يجرِ من المالك إذنٌ في المسافرة، لم يكن للعامل المسافرةُ بمال القراض، اتفق الأصحاب عليه، وإن كانت التجارة قد تقتضي السفر إذا كسدت البضائع في موضع المعاملة؛ لأن الأسفار مظِنة الأخطار، فلا ينبغي أن يهجم عليها من يتصرف بالإذن، فالمقارض في هذا كالمودَع، فإن سافر دون الإذن، دخل المالُ في ضمانه، والعقد قائمٌ لا ينقطع، فلو سلمت البضائع، فباعها في بلدةٍ أخرى، لم يمتنع نفوذ البيع وإن لم يتفق في مكان (٢) المعاملة.

فإن قيل: إن تقيدت المعاملة بمكانها، فليتقيد جوازُ البيع بالمكان. قلنا: الإذن عام، لا ينكر عمومه، ولولا أخطار الأسفار، لما منعنا منها، والبيع لا خطر فيه.

ثم قال العلماء: إن باع المال بمثل ثمن البلد الذي جرت المعاملة فيه أو أكثر، فجائزٌ، وإن باعه بأقلّ من ذلك الثمن، وظهرِ النقصان، وبلغ مبلغاً لا يتغابن الناس بمثله، كان هذا كما لو باع في مكان المعاملة بغبْنٍ.

ثم إذا صححنا البيعَ منه، وقد تعدى بالسفر، فالثمن الذي يقتضيه من ضمانه

أيضاًً، كالأصل.

ولو وكل وكيلاً في بيع ماله، فتعدّى فيه، دخل في ضمانه، فلو باعه، لم يكن الثمن من ضمانه؛ لأن عدوانه اختص بما تعدى فيه، ولم يوجد منه تعدٍّ في الثمن.

وسبب عدوان العامل في مسألتنا المسافرةُ، وهي حاصلة في الثمن حصولَها في الأصل.

فإن قيل: هذا يستقيم لو سافر بالثمن، وزايل مكانه، فأما إذا تلف الثمنُ في البلدة التي اتفق البيع بها بآفة سماوية، لا تعد من أخطار الأسفار، فما رأيكم فيها؟


(١) ر. المختصر: ٣/ ٦٢.
(٢) أي: وإن لم يتم في مكان العقد.