قلنا: الضمان واجبٌ، لأنه في تلك البلدة مسافرٌ، وإذا ضمَّنا المسافر، لم يقف وجوب الضمان على حصول التلف بما يختص بأخطار السفر، وإن فَرض علينا من لا يهتدي إلى مأخذ الفقه إقامتَه بتلك البلدة، فالإقامةُ في غرضنا شرٌّ من السفر؛ فإنّ الذي عنيناه بالسفر المضمِّن مزايلةَ مكان المعاملة، وهذا المعنى حاصل نوى الإقامة، أو لم ينوها.
وكل ذلك فيه إذا لم يأذن له المالك في السفر.
٤٨٧٦ - فأما إذا أذن له في المسافرة، فلا شك أنه يسافر بالإذن أميناً غيرَ ضامنٍ.
والكلام يقع وراء ذلك في مؤن السفر، فنقول أولاً: الأعمالُ في حق المقيم قسمان: أحدهما - ما يتولاه العامل بنفسه، وهو ما جرت به عادة التجار، كطي الثياب ونشرها، وردها إلى الأسفاط (١)، وإخراجها منها. إذا كان من هذا القبيل، فلا يستأجر العامل عليه بأجرة يُخرجها من مال القراض. نعم. إن أراد أن يستأجر بأجرةٍ يبذلها من خاصِّ ماله، فله أن يفعل ذلك.
والقسم الثاني من الأعمال، ما لا يتولاه التاجر بنفسه غالباً، وقد جرت عادةُ التجار بالاستئجار عليه، وهو كالكيل والوزن، والنقل من مكانٍ إلى مكان، فالمقارض يستأجر على هذه الأعمال، ويؤدي الأجرةَ من مال القراض، ولو تولاه العامل بنفسه، وأراد أن يأخذ أجرةَ نفسه من مال القراض، لم يكن له ذلك، ونجعله متبرعاً بتلك الأعمال.
وأما نفقة العامل في الإقامة، فلا نحتسب شيئاًً منها من مال القراض. وكذلك أجرةُ المسكن الذي يسكنه العامل محسوب عليه من ماله.
وأجرة الحانوت الذي يتَّجر عليه مأخوذةٌ من مالِ القراض.
وإذا أراد السفر بالإذن فإنه يخرجُ من مال القراض مؤن الجمال وكذا الجَمّال، وما تمس إليه الحاجة في نقل المال وصيانته. فأما نفقة العامل في نفسه، فالذي نص
(١) الأسفاط: جمع سَفط، وزان سبب وأسباب. والسقط: ما يخبأ فيه الطيب والثياب ونحوها (مصباح).