للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٥٢٩٨ - واختلف أئمتنا في أن التعزير إذا وجب حقّاً للآدمي، فأقامه الإمام لأجله، فأدى إلى التلف مع الاحتياط في الاقتصاد، فهل يجب الضمان؟ والأصح القطعُ بوجوب الضمان، والمصيرُ إلى نفي الضمان ذهولٌ عن حقيقة مذهبنا، كما سنصفه عند خوضنا في ذكر ضابط المذهب في المسائل.

٥٢٩٩ - فإن قيل: من أصلكم أن سِرايةَ القصاص ليست مضمونة، وإن كان مستحقُّ القصاص (١) بالخيار في استيفاء القصاص، وليس محمولاً عليه بقهر شرعي، فما المتّبعُ في هذه المسائل؟

قلنا: قد ظن من لا يحيط بمأخذ الكلام أن المذهب مُدارٌ في النفي والإثبات على كون سبب الإتلاف مقدَّراً أو غيرَ مقدَّر، وزعم أن التعزير اقتضى الضمانَ، من حيث إنه لا يتقدّر، فالأمر فيه مفوّضٌ إلى اجتهاد المعزِّر، والقصاص في حكم الأفعال المقدّرة المحدودة، ولا اجتهاد فيها، فإذا أفضى إلى التلف، لم ينتسب المقتصُّ إلى الخطأ في الاجتهاد.

وهذا كلام غيرُ بالغٍ في مقصوده، وإن كان تحويماً على الحق (٢).

٥٣٠٠ - والمتبع في الباب فَهْمُ الشرع على وجهه، فحيث ينهى الشرعُ عن السبب المتلِف، ويأمر بالاقتصار على ما لا يُتلف، فإذا فُرض التلف، فقد تعدّى الضارب ما رُسم له، مخطئاً، أو عامداً، فإذا أباح الشرعُ سبباً متلفاً، لم يتعلق به الضمان.

والاقتصاص من الأسباب المتلفة، ثم لا يختلف ذلك بالوجوب والإباحة، ولا يختلف بكونه مضبوطاً، أو محالاً على الاجتهادِ والنظرِ، بدليل أن من دفع صائلاً على (٣) نفسه، أو ماله، فمقدار الدفع يتقيد بقدر الحاجة، وليس فيها ضبطٌ شرعي، وتقديرٌ محسوس، ثم ما يُفضي إلى تلف الصائل لا يُعقب ضماناً؛ لأن الشرع سلّط


(١) (د ١): وإن كان المقتص بالخيار.
(٢) في (د ١): تحويماً عليه.
(٣) (د ١): عن. و (على) تأتي بمعنى (عن).