للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على القدر المتلف عند الحاجة، ثم لا يضرّ أن يكون ذلك مظنوناً؛ فإن معظم مسائل الدماء تتعلق بالظنون.

ويُخرّج على القاعدة التعزيرُ؛ فإنه لم يَثبت مُهلكاً، وإنما أُثبت أدباً يستبقي المؤدَّب، فإذا أهلك، أثبت الضمانَ.

ومن أخذ هذا من أن التعزير لا يجب، تعرّض كلامُه للانتقاض بالقصاص، ومن فرّق بين التعزير [الذي يجب لحق الله تعالى، وبين التعزير الذي يجب للآدمي، فقد اضطرب عن مأخذ هذا الأصل؛ فإن الشرع لم يثبت التعزير] (١) لحق الآدمي إلا أدباً، بمثابة تعزير الزوج زوجته. وهذا أصل جليٌّ، فليتبعه الناظر.

٥٣٠١ - وإذا سلم المكري الدابة إلى المكتري، فكان المكتري يزجيها ويضربها، فهلكت، أو عابت، فإن عدّ مقتصداً، فلا ضمان.

فإن قيل: كيف يُخرّجُ هذا على الحد الذي ذكرتموه، وقتل البهيمة ممتنع شرعاً؟ قلنا: الأسباب التي أذن الشرع فيها في البهائم مهلكاتٌ، أو أسباب في الهلاك؛ فإن تحميل البعير العبء الثقيل على الاعتياد في مثله، وجَوْب البوادي عليه، على الظمأ، مع التَّزجية بالضرب المعتاد، مما لا يندر الهلاكُ منه، فالإذن فيه من المالك إذنٌ في سبب الإهلاك.

٥٣٠٢ - ومما يجب التنبه له في هذا المنتهى أن المتمادي في كلامه إذا قال: لا يجوز السعي في إهلاك البهيمة، رُدّ عليه قوله بما ذكرناه، وقيل له: أباح الشرعُ قتلَ كثيرٍ من البهائم لحاجة الآدميين إلى أكل لحومها، فتحميلها المشاقَّ في معنى الإذن في إهلاكها، ولكن على اقتصادٍ معتادٍ.

فإن لم يقنع السائل وقال: كيف يرضى مالك الدابة النفيسة بإهلاكها وحظه من كِراها مقدارٌ نزرٌ؟ قلنا: مثل هذه الدابة لا تتلف إلا بسَرفٍ، فلا جَرَم يجب الضمان.

والتلفُ إنما يقع في الدابة الضعيفة، أو المئوفة (٢)، والإذن في تحميلها إذنٌ في سبب


(١) ما بين المعقفين سقط من الأصل.
(٢) المئوفة: شيء مئوف وزان رسول، والأصل مأووف على مفعول، لكنه استعمل على=