للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا له وجه. وما ذكره العراقيون أفقه.

فرع:

٥٨٩٢ - قال العراقيون: إذا صحت هبةٌ بثواب وسلم المتّهب الثواب إلى الواهب، فوجد به عيباً. قالوا: له ردّه. فإذا ردّه، استرد الموهوب بعينه، إن كان باقياً، وإن كان تالفاً، ذكروا فيه وجهين: أحدهما - أنه لا يرد العوض، ولا حقَّ له أصلاً؛ فإن الموهوب إذا تلف، بطلت الحقوق فيه، وانقطعت العلائق. والدليل عليه أن الأب إذا وهب لولده شيئاً، وسلمه، فتلف في يده لم يملك الرجوعَ وتغريمَه القيمة.

والوجه الثاني - أنه يرد الثوابَ، ويسترد قيمة الموهوب.

وهذا الذي ذكروه (١) كلامٌ مختلط؛ فإنهم إن فرضوا هذا في الهبة المطلقة، أو في هبةٍ ذُكر فيها ثواب مطلق مجهول، فلا يقع الثواب معيّناً، بل يقع في ذمة المتهب، وسبيل ما وقع في الذمة إذا صادف القابض به عيباً أن يُستبدل، فأما أن يُردّ وتُسترد العين، فلا معنى له. وهذا بيّن لا خفاء به، ولا اتجاه لما ذكروه إلا في الثواب المعين. ولو فرض تعيين الثواب، خرج هذا على ما قدّمناه من أن الهبة تلتحق بالبيع المحض، فإذا التحقت به، فلا معنى لذكر الخلاف عند تلف الموهوب، بل يجب القطع بالرجوع إلى القيمة عند تلف الموهوب.

وما ذكره الأصحاب في المسلك البعيد، من افتقار الهبة إلى القبض في إفادة الملك مع ذكر العوض المقدّر، أو المعيّن بعيدٌ، ثم إنما ذكر الأصحاب الخلاف في هذا الحكم؛ فإن القبض من خصائص الهبة وفي الشفعة (٢)، فإنها لا تثبت إلا في المعاوضات المحضة، فإن تعدى متعدٍّ هذين الحكمين، وطرد الخلاف الذي ذكره العراقيون في تلف الموهوب، كان في نهاية البعد؛ فإن من طلب عوضاًً وقدّره، استحال أن يسقط تبعيّةً في أحكام الأعواض، هذا لا سبيل إلى احتماله، ولا مساغ له أصلاً.


(١) في (د ١): ذكره.
(٢) كذا في النسخ الثلاث: " وفي الشفعة " ولعل الأولى: " والشفعة " بدون (في).