وقد قال الشيخ أبو بكر القفال: إذا ادّعى الغاصبُ تلف العين المغصوبة، والتزم قيمتها، فقال المغصوب منه: عين مالي قائمةٌ غيبتَها، وأنت تبغي الاستبدادَ بها، وبذْلَ قيمتها، فالقول قول الغاصب. وهذا لا ريب فيه، ولكنه بدعٌ قد يغفل القيَّاسُ عنه؛ فإن الأصل بقاء العين، وليس الغاصبُ مؤتمناً، فيصدّق، وتغليظ الشرع عليه بيّن، ولكن لو لم نصدقه، وحلفنا المغصوب منه، فحكم ذلك أن يُحبَسَ الغاصبُ، ولو حُبس، فكيف خلاصه لو كان صادقاً؟ وهذا محالٌ، لا سبيل إلى إفضاء الحكم إليه.
٦٠٤٨ - ولو قال الحاكم للملتقط: أنْفق عليه من مالك، لترجعَ به، فقد ذكر الأئمَّة في ذلك وجهين: أحدهما - أنه لا يجوز هذا، فإن في تجويزه تسليطُه على أن يتملك على الغير مالاً بنفسه لنفسه بمعاملة يستبد بها، من غير تمسكٍ بالشفقة العظمى. وهي شفقة الأبوّة.
وقد ذكرنا نظيرَ ذلك في هرب الجمال، إذا قال القاضي: أنفق وارجع.
وهذا الذي ذكره الأصحابُ هاهنا يستدعي مَزيد تفصيلٍ؛ فإن اللقيط إن انتهى إلى حالة الضرورة، فقد قررنا القولَ في أن الإنفاق عليه من بيت المال، وإن لم يكن في بيت المال مالٌ، فالإنفاق هل يُثبت رجوعاًً؟ وإن أثبت فعلى من؟
ولا ينبغي أن يكون ما ذكرناه من الاختلاف هاهنا موضوعاً فيما يسدُّ الضرروة، ولكن الإنفاق على اللقيط ينقسم، فمنه ما يقع سدّاً للضرورة، ومنه ما يقع وراء سدّ الضرورة، وإن كان لا يبلغ السَّرفَ، وذلك هو الذي يتعلق بنظر الوالي وإذنه، ويجوز أن يُفرض الرجوع فيه على اللقيط إذا بلغ، وعلى هذا يتفرع ما ذكرناه.
٦٠٤٩ - ولو استقرض من الملتقط مالاً وقبضه ثم دفعه إليه، وأمره بالإنفاق على الطفل، فهذا جائز وجهاً واحداً، فيقع الاستقراض الأول من الحاكم على الطفل، ثم يصير ما قبضه مالاً للطفل، فيعود التفصيل إلى ائتمانه الملتقطَ على الإنفاق من مال الطفل.