للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البلد، وأراد أن ينقله إلى البادية، لم يمكّن منه، لمعنيين: أحدهما - أن عيش أصحاب البوادي ضيّق، ويقلّ فيهم الاتساع في المعيشة، والرغد، وقد تمس حاجة الطفل إذا مرض إلى مراجعة الطبيب، وابتغاء دواءٍ وسعيٍ في استصلاحه، وليس ما أشرنا إليه من النوادر في الأحوال، وأسبابه [عَسِرةٌ] (١) في البادية.

ومنهم من علل منع نقله بخفاء النسب؛ فإنه لو ترك في البلد، لأوشك أن يظهر له أبٌ، أو أمّ، وإذا نُقل إلى البادية، فقد يتعذر ذلك. وهذا مَنَعَ الإبعادَ. فأما إذا كان الموضع الذي إليه الانتقال قريباً، فسأذكره في التفصيل، إن شاء الله تعالى.

ومن نقل لقيطاً من البلد الذي وجده فيه إلى بلدٍ آخر، ففي جواز ذلك وجهان مبنيان على المعنيين اللذين ذكرناهما، فمن راعى في المنع ضيقَ المعيشة في البادية، فهذا المعنى مفقود في النقل إلى بلدة أخرى، ومن راعى توقُّعَ ظهور النسب منع النقل إلى بلدة أخرى، فإنّ توقّع ظهور والدٍ مستلحِقٍ، أو والدةٍ يختص بالبلدة التي فيها العثور على اللقيط.

ومن وجد لقيطاً في باديةٍ، فإن كان في مضيعةٍ، ولو تركه، لهلك، فيأخذه، ثم لا ينقلب لأجله، ولكن يأخذ صوبَه وتلقاءَ قصده.

٦٠٥٢ - فأما إذا صادفه، في أثناء قبيلة ضخمةٍ ولقطه، وأراد أن ينقله إلى بلده، فالذي قطع به شيخي، ومعظم الأصحاب أن ذلك جائز، وما يفرض من انقطاع توقع الظهور في النسب لا يعادل أمنَ البلد، وخَيْره، وأصحاب البوادي على أغرارٍ.

وذكر القاضي وجهين مبنيّين على المعنيين. وقال: إن راعينا النسب وعوّلنا عليه، ففي نقله إلى البلدة تضييعُ ما يتوقع من ظهور نسبه، وإن راعينا مصلحة اللقيط في نفسه وتهيؤ أسباب المعيشة، فيجوز النقل حينئذ.

٦٠٥٣ - ولو وجد في البلد، ونقل إلى برّية قريبة، لا يتعذر نقل الحوائج من البلدة إليها، ولا يتحقق في الانتقال إليها ضيقٌ في المعيشة معتبر، فمن راعى هذا المعنى، لم يمنع من هذا الانتقال.


(١) في الأصل: عشرة. وفي باقي النسخ: (عسر).