ولو كان موسراً متوسعاً في الغنى، ولم يكن الثاني من الفقراء، ولكن كان ضمه إلى المتوسع في يساره أنفع له، فهذا مما اختلف الأصحاب فيه: فمنهم من رأى ضمَّه إلى من الضم إليه أنفع، ومنهم من يقول: إذا استويا في انتفاء الافتقار، فلا نظر إلى الأنفع؛ فإن ذلك غير متناهٍ، ولا منضبط.
وإذا كان ظاهرُ أحدهم العدالة، وكان الثاني مستوراً غيرَ ظاهر العدالة، وقد أوضحنا أن المستور من أهل الالتقاط، فقد اختلف أصحابنا في ذلك:
فالذي كان يميل إليه شيخي القطع بأنه يضم إلى العدل الذي عدالته ظاهرة. وكان يُنزل ظهور العدالة بمنزلة الغنى وحال المستور منزلةَ الفقر.
ومن أصحابنا من ذكر في ذلك خلافاًً؛ من جهة أن المستور لا يُسلِّم لمن ظهرت عدالتُه اختصاصه بالعدالة، ويقول: التقصير ممن لم يبحث عن عدالتي، ولم يطلع على سيرتي، والحضانة حقي؛ فلا أسلمها.
وكأن شيخي (١ جعل التفاضل في العدالة كالتفاضل في اليسار والغنى، وقد سبق التفصيل فيه.
وكان يقول: البلدي والقروي إذا ازدحما، فالبلدي أولى، والبلدي والبدوي لا يزدحمان؛ فإن البدوي ممنوع عن نقل اللقيط الموجود في البلد إلى البادية، وإنما تظهر أحكام الازدحام إذا كان كل واحد بحيث لو انفرد، كان من أهل الالتقاط.
وكان شيخي ١) يقول: المكاتب ليس من أهل التقاط المنبوذ؛ فإنه تحت أسر الرق، واشتغاله بالحضانة يلهيه عن كسبه، ويعطِّل كثيراً من منافعه، فينزل ذلك منزلة التبرع، وحكم التبرع أنه إن انفرد به، لم يصح ذلك منه، وإن كان بإذن مولاه، ففيه اختلاف، ويتأيد ما قاله بالتحاق حق الحضانة بالولايات، والمكاتب ليس من أهلها، وإنما صححنا منه التقاط اللقطة على قولٍ ظاهر لما في التقاط اللقطة من غرض الكسب، والتقاط المنبوذ ائتمان محض من الشارع والشرع لا يأتمن المكاتبَ والعبدَ، فهذا منتهى المراد في هذا الفصل.
(١) ما بين القوسين ساقط من جميع النسخ ما عدا الأصل.