للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٦٠٥٦ - ثم إن تحقق استواء المزدحمَيْن على اللقيط، فلا يضم إليهما جميعاً، فإنه لا يتصور قيامهما بحضانته على الاجتماع، ولو جعلنا حفظه مهايأةً بينهما، لظهر تضرر المولود، فإن للإلف وقعاً في النفوس لا ينكر، فلو ضُم الصبي إلى أحدهما، فقد يألفه، ويتخلق بأخلاقه، فإذا قطعناه عن هذا وضممناه إلى صاحبه، تضرر بالانقطاع عمّن ألفه، ثم يكون على نِفارٍ مع الثاني في ابتداء الأمر، فإذا أنس به، احتجنا إلى قطعه ورده إلى الأول؛ فلا يصير إذن صائر إلى ضم اللقيط إلى المتنازعين جميعاً، ولا بد من ضمه إلى أحدهما، ولا طريق إلا أن نقرع بينهما، فمن خرجت قرعته سلّم الطفل إليه.

٦٠٥٧ - ولو سبق أحدهما إليه واحتضنه، فهو أولى.

ولو كان السابق المحتضن فقيراً وطلب الحضانة، أجيب إليها، فإذا احتضن، ثم ظهر موسرٌ لو شاركه عند العثور، لكنا نقدمه، فإذا جاء من بعدُ، فلا حق له في الحضانة؛ فإن الحق المستحَقَّ لا يُنقض بأمثال هذا.

٦٠٥٨ - ولو ازدحم رجلان متساويان، وقلنا: إنه يُقرَع بينهما، فلو طلب أحدهما، وترك الثاني حقه بعد تقدُّم الازدحام، فهل نترك تاركَ حقه، حتى يخلص حقُّ الحضانة للثاني؟ فعلى وجهين: أحدهما - يسقط حقه، ويصير الثاني كالمنفرد بالاحتضان والوجدان أول [أمره] (١). وهذا هو الصحيح، كما لو ازدحم شفيعان، ثم عفا أحدهما عن حقه؛ فإن حق الشفعة يخلص للثاني.

والوجه الثاني - أنه لا يخرج العافي من البَيْن (٢)، فإنه ثبت له حق ناب فيه عن المسلمين، فلا يتأتى إخراجه نفسه من البَيْن.

وهذان الوجهان ذكرهما العراقيون، ونقلهما القاضي، ووجه الأول بيّن.


(١) في الأصل، (د ١)، (ت ٣): مرة.
(٢) البين: هذا اللفظ نجده عند إمام الحرمين في البرهان، وفي هذا الكتاب، ومعناه واضح من السياق. ولكنه غير منصوص في المعاجم التي وقعت لنا (المصباح، والوسيط، والقاموس المحيط، والأساس، واللسان، والزاهر، وكشاف اصطلاحات الفنون، وكليات أبي البقاء).