للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد اتفق الأصحاب على أن من تيقن سبقَ الوضوء، وغلب على ظنّه الحدث، فله الأخذ بالوضوء.

وقد ذكرنا قولين للشافعي في أن ما يغلب على الظن نجاسته هل نحكم بنجاسته؟

ومن الأسئلة التي ينبغي أن يُعتنَى بها الاستفراق (١) بين غلبة الظن في الحدث، وبينها في النجاسة. والذي كان يذكره شيخي أن الاجتهاد يتطرق إلى تمييز الطاهر من النجس، وسبب ذلك أن للطهارة والنجاسة أماراتٍ، وهي مستند الاجتهاد، وليس للحدث والطهر علاماتٌ يتعلّق بها المجتهد.

وفي هذا عندي فضل مباحثةٍ، فأقول: أصل الشافعي في تمييز دم الحيض عن دم الاستحاضة بالصفات معلوم، سيأتي شرحنا عليه إن شاء الله تعالى، وهذا اجتهاد.

وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم للمني صفاتٍ، وفائدةُ ذكرها التمسك بها، فإطلاق القول بأن الاجتهاد لا يتطرق إلى الأحداث غيرُ سديد.

ثم موضع القولين في النجاسة ليس فيما يظهر فيه علامة النجاسة من لون، أو ريح، أو طعم، ولكن إذا جرت أحوالٌ يغلب على القلب النجاسةُ فيها، فالقولان يجريان، وإن لم يظهر للحس علامةٌ في النجاسة (٢)، وهذا كالقولين في المقابر


= فذكره بغير إِسناد، دون قوله: أحدثت أحدثت، وكذا ذكره المزني عن الشافعي، وهو في الصحيحين. ا. هـ كلام الحافظ في التلخيص. والمتفق عليه من الحديث هو عدم الأخذ بالشك، وإِجراء الحكم على يقين بصوت أو ريح. (ر. تلخيص الحبير: ١/ ١٢٨ ح ١٧١، وأيضاً ح ١٥٧، البخاري: كتاب الوضوء، باب: لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن، ١/ ٢٨٥ ح ١٣٧، ومسلم، كتاب الحيض، باب، الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث، فله أن يصلي بطهارته تلك، ح ٣٦١، ٣٦٢، وإِرواء الغليل: ١/ ١٥٣ ح ١٩، وصحيح أبي داود للألباني: ح ١٦٢، ١٦٣، وصحيح الترمذي ح ٦٤، ٦٥).
(١) الاستفراق: طلب الفرق.
(٢) في النسخ الثلاث: " وإِن لم يظهر للحس " ويتبادر إِلى الذهن أن (الواو) لا محلّ لها هنا، بمعنى أن محل القولين عدم ظهور علامة للحس، في مقابلة القطع بالنجاسة مع وجود علامة.
ولكن للواو هنا حاجة، وهي بمعنى (مع) فهي تقطع الذهن عن السبق إِلى القول باستصحاب اليقين عند عدم ظهور علامة للحس كما في الأحداث. فالمراد هنا التفرقة بين =