للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضبطُ (١) المذهب في ذلك أن الوصية بمنافع الدار وغيرها في المستقبل جائزة وفاقاً -على ما سنعقد في ذلك فصلاً على أثر هذا، إن شاء الله عز وجل- وإن (٢) كانت المنافع معدومة في الحال؛ لأن الشرع ألحق [توقّعَ] (٣) الوجود منها حالاً على حال بتحقق الوجود في الأعيان، ولذلك صحت الإجارة، ومقصودُها المنافع التي ستكون.

فأما إذا أوصى بما سيكون من حمل، أو نتاجٍ، ففي صحة الوصية وجهان مشهوران: أحدهما - أنها تصح قياساً على المنافع.

والثاني - لا تصح؛ فإن ارتقاب وجود المنافع تباعاً ووِلاء في الاعتياد ملتحق بالحاصل الكائن، والنتاج والولد [أعيان] (٤) لا يستند التوقع فيهما إلى ثبت واطراد في الاعتياد.

ولو أوصى لإنسان بالثمار التي ستكون في مستقبل الزمان، فلأئمتنا طريقان: منهم من ألحق هذه الوصية بالوصية بالنتاج المنتظر والحمل المتوقع؛ من جهة أن الثمار إذا وجدت، كانت أعياناً كالنتاج والولد، وليست كالمنافع؛ فإن المنافع في وجودها لا تبقى، فلا تعويل على وجودها؛ إذ لا ننالها بعد الوجود، ولو لم يكن التصرف متقدماً على وجودها، لم يُتصوّر فيها التصرف، والأعيان إذا وجدت، بقيت، فأمكن ارتقاب وجودها حتى يعتمدَ التصرفُ الوجودَ المستمر.

ومن أئمتنا من ألحق الثمار بالمنافع، فقطع بجواز الوصية بها، واستدل هؤلاء بأن قالوا: وجدنا في قبيل الثمار تصرفاً لازماً وارداً على الثمار المتوقعة، وهي المساقاة، فالتحقت الثمار لذلك بالمنافع، وليس في قبيل المعاملات ما يلزم على الحمل والنتاج في الاستقبال.


(١) ضبط المذهب: حقه أن يكون بالفاء جواباً للشرط. ولكنه جعل الجواب مفهوماً، تقديره: فما الحكم؟ وجاءت هذه استئناف كلام.
(٢) وإن كانت: متعلق بقوله: جائزة.
(٣) في الأصل: يرفع.
(٤) في الأصل: عيان.