للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الجنابة، ورأى أن يوصّل التراب إلى جميع البدن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يكفيك ضربة للوجه، وضربة للكفّين " والغرض قطعُ توهّمه في إيصال التراب إلى جميع البدن، فجرى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة التقليل لمحل التيمّم، متذرِّعاً إلى إيضاح نفي الاستيعاب. ثم ليس يبعد أن يُعبّر ببعض الشيء عن الشيء، وإنما كان يجري الحديث نصّاً لو جَرّدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قصده في تبيين محل التيمم، فأمّا والغرض نفي الاستيعاب، والنهي عن التمعّك، فقد يتطرق إليه التأويل، كما ذكرناه.

والذي يقرب من ذلك، ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " فإذا وجدتَ الماء فأمِسَّهُ جلدك " (١) وهذا بظاهره يدل على أن أدنى الإمساس كافٍ، وإن كان مسحاً، ولكن لم يقع ذلك غرضاً في الحديث، وإنما المقصود منه استعمال التراب إلى وجدان الماء، فتلخص مذهب الشافعي من المذاهب.

والزهري اعتمد فيما زعم ظاهرَ القرآن، وجميع الأخبار التي ذكرناها تخالف مذهبه، وما تمسك به ظاهرٌ تُفسِّره نصوصُ الأخبار.

ثم الشافعي رأى حملَ مطلق اليد في التيمم على المقيّد في الوضوء بالمرافق، وهذا وإن لم يعتقده بعضُ الناس، فهو مما يغضّ من ظهور الظاهر.

وإذا سقط مذهبُ الزهري، تعارض الحديث من مذهب الشافعي، ومذهب مالكٍ. ومنتهى التصرّف فيه ما ذكرناه، وقد ينقدح في نُصرة مذهب مالك شيء، وهو أن استيعاب الساعدين بضربة واحدة فيه عسر، وإن اقتصر على الكفيّن، فهو هيّن.

وإذا تعارض في التعبدات مذهبان، فالتمسك بالأحوط أولى.

فصل

١٩٤ - مضمون الفصل ذكرُ ما يجب استعماله في أعضاء التيمّم. فنقول:


(١) حديث: "فإذا وجدت الماء، فأمسه جلدك" جزء من حديث أبي ذرّ الذي سبق آنفاً في صدر الباب.