للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= زوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش من زيد، فمكثت عنده حيناً، ثم إنه عليه السلام أتى زيداً يوماً يطلبه، فأبصر زينب قائمة، وكانت بيضاء جميلة جسيمة من أتم نساء قريش، فهويها؛ وقال: "سبحان الله مقلّب القلوب"! فسمعت زينب بالتسبيحة، فذكرتها لزيد؛ ففطن زيد؛ ففال: يا رسول الله، ائذن لي في طلاقها؛ فإن فيها كبراً، تعظُم عليَّ، وتؤذيني بلسانها، فقال عليه السلام: أمسك عليك زوجك واتق الله" انتهى ما حكاه القرطبي عن مقاتل. وأتبعها بروايات أخرى مثلها، مما قال عنه الألوسي في تفسيره: "وللقصاص في هذا كلامٌ لا ينبغي أن يجعل في حيز القبول".
أما ابن العربي فبعد أن روى مثل هذا عن المفسرين، قال ثائراً غاضباً فيما سماه تنقيح الأقوال وتصحيح الحال. قال: "قد بينا في غير موضع عصمة الأنبياء صلوات الله عليهم من الذنوب ... وعهدنا إليكم عهداً لن تجدوا له ردّاً أن أحداً لا ينبغي له أن يذكر نبياً إلا بما ذكره الله لا يزيد عليه؛ فإن أخبارهم مروية وأحاديثهم منقولة بزياداتٍ تولاها أحد رجلين: إما غبيٌّ عن مقدارهم، وإما بدْعي لا أرب له في برّهم ووقارهم؛ فيدس تحت المقال المطلق الدواهي، ولا يراعي الأدلَة والنواهي ... فهذا محمد صلى الله عليه وسلم ما عصى قط ربّه في حال الجاهلية ولا بعدها ... فلم يقع قط في ذنب صغير -حاشا لله- ولا كبير، ولا وقع في أمر يتعلّق به لأجله نقصٌ، ولا تعيير ... فهذه الروايات كلها ساقطة". ثم قال بعد ذلك: " ... فأما قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم رآها؛ فوقعت في قلبه، فباطلٌ؛ فإنه كان معها في كل وقت وموضع، ولم يكن حينئذٍ حجاب. فكيف تنشأ معه وينشا معها، ويلحظها في كل ساعة، ولا تقع في قلبه إلا إذا كان لها زوج ... حاشا لذلك القلب المطهر من هذه العلاقة الفاسدة". ا. هـ.
هذا ومن المعاصرين الذين قالوا بهذا التفسير الدكتورة بنت الشاطىء - عائشة عبد الرحمن -على علمها وفضلها- فقد جاهرت بهذا التفسير ودافعت عنه بقوة في خبط وتخليط حول تأكيد بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم.
والإمام السيوطي الذي أورد مثل هذا القصص في أسباب النزول، لم يعدّ هذه من الخصائص -على كثرة ما عدّد من الخصائص الكبرى- بل اقتصر في تفسير الآية على ما رواه البيهقي عن علي بن الحسين زين العابدين، وهو التفسير المرضي الذي سنورده بعد سطور.
أما التفسير الصحيح الذي قال عنه القرطبي: "قال علماؤنا -رحمة الله عليهم-: هو أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية، وهو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين والعلماء الراسخين كالقاضي بكر بن العلاء القشيري، والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم"، وهذا التفسير يقوم على أن الذي أخفاه النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه هو علمه بأن زيداً سيفارقها، وأنه صلى الله عليه وسلم سيتزوجها، فقد كان الله قد أوحى إليه بذلك، وليس أنه أخفى حبه لها!!