للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٨٣٠٩ - ثم إذا طلبت الفراق، فهو فسخ باتفاق الأصحاب، وليس كما إذا انقضت مدة الإيلاء، وتوجهت الطَّلِبة على الزوج بالفيئة؛ فإنَّ النكاح لا يفسخ، بل يُحبسُ الزوجُ ليطَلِّقَ في قول، أو [يطلق] (١) القاضي في قول؛ والسبب فيه أنَّ الزوج لم يتصف بعيب، وإنما أضَرَّ بها، والفسوخ إنما تُناط بالعيوب وما في معانيها.

وهذا فيه بعض الإشكال من جهة المعنى؛ فإن [الطلاق] (٢) تصرفٌ لا يدخل تحت حجر حاجر، والفسوخ مألوفة في [رفع] (٣) الضرار، فكان لا يبعد عن المعنى أن يفسخ القاضي نكاح المولي من غير طلاق؛ حتى يندفع الضرار، ولا ينتقص عدد الطلاق، ولكن الإيلاء في الشرع طلاقٌ عند بعض العلماء، وهو مفضٍ عندنا إلى الطلاق إذا امتنع الزوج عن الفيئة، ولعل السبب فيه أنَّ الفيئة من الزوج ليست مأيوسة، بل هي ظاهرة الإمكان، والقدرة عتيدة؛ فقَطْعُ حالة النكاح غيرُ لائق بالنظر للجانبين، ولا مستدرك بعد الفسخ، [فأجيز] (٤) الطلاق، وانقطعت الطَّلِبة بالرجعي، ليلائم ذلك إمكانَ الفيئة، فهذا هو المرعي.

٨٣١٠ - ومن لطيف الكلام أنَّ الجب لما كان موئساً سلََّطَ المرأةَ على الفسخ الناجز، والعُنة على تردد، ولكنه مع حكم، وللشرع ترتب في أثنائها، فإذا ثبتت وتحقق ثبوتها بالاجتهاد، التحقت بالجَبّ، والرفعُ المنوطُ به فسخٌ (٥)، فكانت العنة بعد الاجتهاد كالجب، ولذلك سقط حقها برضاها بعد ثبوت العنة، ولا يسقط حق التي آلى عنها زوجها بالرضا. وأما المولي، فإنه يُظهر ضراراً حاصله قطع طمعها عن الوقاع في مدة تتضرر في مثلها بالانقطاع عن الاستمتاع. وأبو حنيفة (٦) رأى فرقة العُنة كفراق الإيلاء، ورأى فراق الجَب فسخاً.


(١) في الأصل: يطلّقه.
(٢) في الأصل: الحلاف.
(٣) في الأصل: وقع.
(٤) غير مقروءة في الأصل. (انظر صورتها).
(٥) أي رفعُ النكاح المنوط بالجب فسخٌ وصارت العنة مثله.
(٦) ر. مختصر الطحاوي: ١٨٣.