للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا بعيدٌ جداًً، وليس بياناً للتقريب، وكأنه يردّ القلّتين إلى أربعمائة (١) رطل، وأسقط محل التشكك، ثم يقع في الأربعمائة تقدير التقريب.

٣٤٨ - وبالجملة، فليس [فيما] (٢) نقلته شفاءٌ، ولست أعدّ كلام صاحب التقريب من المذهب، وإنما هو خطأ ظاهر.

والذي أراه في تفسير ما ذكره الأئمة من أن القليل لا يضر نقصانه، أنا لو فرضنا مقداراً من الزعفران في القلتين، وكان يظهر عليه ظُهوراً مقَدَّراً في الفكر، فلو نقص مقدارٌ من الماء، وكان لو ألقي فيه المقدار الذي ذكرناه، لازداد ظهوره ازدياداً محسوساً، فهذا نقصان يَنقُص الحدّ، وإن كان النقصان بحيث لا يظهر بسببه في الحس تفاوت في ظهور ما يقع فيه، فهو القليل الذي لا يؤثر، ولو فرض هذا التقدير في النجاسة وتفاوت ظهورها، لكان سديداً.

والتحديد أسلم وأضبط.

والسبب فيه أن الماء القليل ينجس، وهذا الحكم [مستندٌ] (٣) إلى ثبتٍ شرعي، فإن القياس لا يجول في ذلك.

فإن قيل: لم تذكروا في تفسير التقريب أمراً معلوماً؟ قلنا: هذا تعسف؛ فإن التقريب لا يقتضي الإعلامَ والتقديرَ، فمن طلب في بيانه تقديراً، فقد ذَهِل عن مأخذ الكلام، وأقرب مسلكٍ فيه ما ذكرناه.

فإن قيل: لو نقَصَ على وجه التقريب مقدارٌ تردَّدَ المرءُ في أنه يظهر أثره حسّاً أم لا، في دفع أثر ما يقع فيه. فهذا فيه احتمال عندي؛ فإنه من وجهٍ يلتفت على أن الأصل هو القلّة. وهذا هو الظاهر؛ ولأجله اخترنا التحديد. ومن وجهٍ يلتفت على أنَّ الأصل ألا يحسّ أثره في تفاوت الدّفع. فهذا أقصى الإمكان في ذلك.

فإذاً المعتمد على وجه التحديد النقصانُ المحسوسُ، وعلى وجه التقريب، المعتبرُ تفاوتٌ في تأثير الدفع محسوس.


(١) على تقدير أن القربة تسعُ ١٠٠ منّ، أي ٢٠٠ رطل.
(٢) في الأصل: ما نقلته.
(٣) في الأصل: مستدامٌ، والمثبت تقديرٌ منا. وهي في (م) و (ل): كالأصل.