للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قصدُ الإفهام بها، فلا ريب حينئذ في أن الكتابة مع مخايل قصد الافهام كالإشارة لو أبلغ فيها. فهذا قولنا فيما لا يفتقر إلى القبول.

٨٩٩٦ - فأما ما يفتقر إلى القبول، فينقسم إلى النكاح وغيرِه: فأما غير النكاح.

كالبيع والإجارة والهبة وما في معناها، نفرضها (١) مع الغَيْبة، ثم نذكر حكمَها مع الحضور:

فأما إذا جرت الكتابة بالبيع في الغيبة، فمن ضرورة ذلك انقطاع كتابة من يبتدىء عن قبول من يَرِدُ الكتابُ عليه، فيجتمع في ذلك إقامة الكتابة مقام اللفظ، وفيه التردد الذي ذكرناه في الطلاق والعتاق وما في معناهما مما لا يشترط القبول فيه، وتأخُّرُ (٢) أحد شقي العقد عن الثاني، وهذا لا يقتضي تأكيداً في المنع لا محالة، فينتظم منه ترتيب القولين في البيع على القولين في الطلاق، والبيعُ أولى بالمنع.

فإن قيل: ما وجه الجواز، وقد انفصل أحد الشقين عن الثاني؟ قلنا: في ذلك وجهان: أحدهما - أن نجعل ورود الكتاب بمثابة افتتاح الإيجاب، ويتبعه القبول على الاتصال. والوجه الثاني - أن القبول إنما يشترط اتصاله بالإيجاب لأن الموجِب أنشأ كلامه على وجه يقتضي جواباً متصلاً، وإذا كتب الكاتب، فكتابته تقتضي الموافقة على حسب ما يليق بالعرف في مثل ذلك، وهذا حسن، ولكن يلزم على مساقه أن يقال: إذا أوجب في الحضور إيجاباً مقترناً بجواز تأخّر القبول، وجب تجويزه، ولا صائر إلى هذا إلا أبو حنيفة (٣)، فإنه جعل مدّة المجلس وإن [طالت فُسحةً] (٤) في ذلك، ونحن لا نقول به، فينضم إلى ما ذكرناه مسيسُ الحاجة في التكاتب، وهذا لا يتحقق في التخاطب. ويتصل بذلك أنه إذا ورد الكتاب، فهل يشترط اتصال القبول بالاطلاع على الكتاب أم لا؟ الوجه القطع باشتراطه على المعنيين؛ إذ لا حاجة بعد الاطلاع، وقد جعلنا الاطلاع كإنشاء الإيجاب.


(١) جواب (أما) بدون الفاء. وهذا جارِ كثيراً في أسلوب الإمام، وهي لغة كوفية.
(٢) وتأخرُ: معطوف على كلمة (إقامة) من قوله: فيجتمع في ذلك إقامة الكتابة ... إلخ.
(٣) ر. المبسوط: ٦/ ٢١١، فتح القدير: ٢/ ٤١٢، البدائع: ٣/ ١١٤.
(٤) في الأصل: وإن طالب فسخه في ذلك.