للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٩٠٥١ - والوجه عندنا القطعُ بمخالفة الربيع في الصفة، والقطع بأن التعليق في المستحيل وغير المستحيل يمنع انتجاز الطلاق؛ فإنا لو نجّزناه، لأوقعنا طلاقاً لم يوقعه، وليس يخرج على الانتظام تعليق الطلاق بما لا يكون على قصد أن الطلاق لا يقع، كما أن الصفة المذكورة لا تكون، وهذا كقوله تعالى: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:٤٠] فاقتضى ظاهر الخطاب من جهة الصيغة تعليقَ خروج الكفار من النار على أن يلج الجمل على هيئته في سم الخياط على ضيقه، وهذا مستحيل، والمقصود أنهم لا يخرجون أبداً، كذلك القول في تعليق الطلاق بالمحال.

٩٠٥٢ - ولو قال: أردت بقولي: "أنت طالق الشهرَ الماضي" أن الطلاق يصادف في وقوعه الشهرَ الماضي، [وإن] (١) كان لفظ الإيقاع حاصلاً الآن. وهذا يتميز عن الصورة المتقدمة بشيءٍ، وهو أنه في الصورة المتقدمة قصد التنجيز في الحال مع العكس على ما مضى، فكان المذهب الحكم بالتنجيز، وإبطال قصد العكس، وهو في هذه الصورة يبغي ألا ينجّز في الحال طلاقاً، وإنما يعكسه على ما مضى ويقدّر وقوعه فيما سبق، ثم هو يسترسل على الزمان استرسال الطلاق، فإذا أراد ذلك، فلفظه غير بعيد عن الإشعار بهذا. وقد يتخيل بعض الناس إمكان ذلك، فيخرج ما أبداه عن الهزل الذي لا يخفى مُدركه، ففي هذه الصورة وجهان: أحدهما - أن الطلاق لا يقع؛ لأنه لم يقصد تنجيزه، وقصْدُ الإيقاع على ما رَامَ غيرُ ممكن.

والوجه الثاني - أن الطلاق يقع؛ فإنه ليس يُنكَر انبساط الطلاق على الزمان الذي أنشأ اللفظ فيه، فهذا الزمان من مضمّنات قصده في الطلاق، فلينتجز في الوقت وليلغُ ما يزيد على ذلك. والشافعي ذكر في هذه الصورة لفظةً محتملة مترددة، فقال: "إيقاع الطلاق الآن في شهرٍ مضى محال" (٢) فمن أصحابنا من قال: لا يقع؛ لأنّ الشافعي أحاله، والمحال لا يقع، ومنهم من قال: يقع؛ لأنه نجَّز الطلاق، والإحالة في الصفة مُخْرَجة من البَيْن، فيجعل كأنه أطلق، ولم يصفه.


(١) في الأصل: فإن.
(٢) ر. المختصر: ٤/ ٧٨.