للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لوجب عليه القصاص، فعلى هذا إذا خوفه بتخليد السجن، لم يكن إكراهاً إلا أن يخوّفه بالتخليد في قعر بيتٍ يغلب الموت من الحبس فيه.

قال: وقال العراقيون: إنْ قال له: إن قتلتَ فلاناً وإلا قتلتك، أوقطعتُ طرفَك، كان إكراهاً، ولو قال: إن قتلته، وإلا أتلفت مالك، لم يكن إكراهاً، وإن قال: إن أتلفتَ مال فلان وإلا أتلفت مالك، يكون هذا إكراهاً.

قال القاضي: الإكراه لا يختلف باختلاف المحالّ، فلا فرق بين أن يكون المطلوب من المكره قتلاً، أو طلاقاً، أو عِتاقاً، أو بيعاً، أو [عُقدة] (١) من العقود.

وفي بعض التصانيف: اختلف أصحابنا في صفة المكرَه: منهم من قال: إذا توعده بما لا تحتمله نفسه، والغالب أنه يحقق ما توعّد به، فهذا إكراه، ومنهم من قال: يختلف ذلك باختلاف عادة الناس، فالشريف إذا خُوّف بالصفعة الواحدة على ملأ من الأشهاد، فهو إكراه في حقه، وفي هذا الكتاب (٢): وإن خُوف بإتلاف المال والولد، فهل يكون إكراهاً؟ فعلى وجهين.

وكان شيخنا أبو محمّد يقطع جوابه بأن الإكراه يختلف باختلاف المطلوب، والإكراهُ على الطلاق دون الإكراه على القتل، ثم كان يختار أنّ الرجوع فيما يكون إكراهاً إلى ما يؤثر العقلاءُ الطلاقَ عليه، وهذا يجري في الحبس الطويل، والضربِ المبرّح، والنقصِ الظاهر من المروءة.

فهذا مجموع ما ذكر في هذا الفصل.

٩١٠٨ - ونحن نقول: إذا كان التخويف يتعلق بالروح، وذلك بأن يكون التخويف بالقتل، أو القطع الذي لو فرض وقدّر سريانه إلى الهلاك، لكان موجباً للقصاص، فهذا إكراهٌ في جميع المواضع، لا يجب أن يكون فيه خلاف، وإن ردّد العراقيون فيما حكيته جوابهم في التخويف بقطع الطرف.


(١) في الأصل: عنده.
(٢) هذا الكتاب: يعني به (بعض التصانيف) المشار إليه آنفاً، وصاحبه هو الإمام أبو القاسم الفوراني.