فإذا انتظم الوجهان، فتمام المراد أنه لو أراد بقوله: قبلها طلقة إسناد الطلاق إلى ما قبل تلفّظه، فيكون ذلك بمثابة قوله: أنت طالق الشهر الماضي، وقد قدمنا ما فيه من الأقسام، ويعترض في أقسام تلك المسألة أنه لو أراد الإيقاع في زمانٍ مضى، فهل يُحكم بالوقوع؟ فعلى وجهين. وفي هذه المسألة إن أراد بقوله: قبلها طلقة ما ذكرناه، فالكلام كالكلام المقدّم في الشهر الماضي، وإنما قطع الأصحاب بوقوع الطلقتين من غير إعادة تلك الأقسام، لبنائهم المسألة على ترتيب الطلقتين بعد اللفظ، ولا ينتظم والمسألة هكذا إلا مع تأخير وقوع مضمون قوله: أنت طالق، فليفهم الناظر ذلك؛ فإنه دقيق المُدرك.
٩١٢٥ - ونعود بعده إلى إطلاق الوجهين، ونفرّع عليهما أمر التي لم يدخل الزوج بها.
فإذا قال للتي لم يدخل بها: أنت طالق طلقةً قبلها طلقة، أو قال: أنت طالق طلقة بعد طلقة، فكيف الوجه؟ لا خلاف أنه لا يلحقها طلقتان؛ فإن هاتين الطلقتين تقعان على المدخول بها في زمانين، ولا يتصور أن يلحق بها طلاقان في زمانين؛ فإنها تبين بأولهما، ولكن تلحقها طلقة واحدة أم لا يلحقها شيء؟ هذا محل النظر.
قال القاضي: إن حكمنا بأن مضمون قوله: "طلقة" يقع، ثم يتبعه طلقة، فهذه يلحقها طلقة وهي الموقعة وتبين، ولا يلحقها ما بعدها.
وإن قلنا: يتأخّر مضمون قوله طلقة ويقدُمها طلقة بقوله: "قبلها طلقة". قال القاضي: على هذا لا تطلق هذه أصلاً، واعتلَّ بأن قال: لمَّا قال لها: "أنت طالقة قبلها"، فحاصل كلامه: أنت طالق طلقةً مسبوقة بطلقةٍ، ولا يتصور في غير المدخول بها طلقة مسبوقة بطلقةٍ، وإذا لم يقع الطلقة المعيّنة بقوله:"أنت طالق طلقة" لا تقع الطلقة السابقة تقديراً؛ فإن الأُولى شرطها أن تكون قبل ثانيةٍ، وإذا عسرت الثانية، فالتي يقدرها سابقة لا يقال فيها قبلها، فعسُر إيقاع الطلقتين، ودارت المسألة. وهذا على نهاية الحسن واللطف.
ثم في المسألة غائلة، وذلك أن القاضي قال: من ذهب مذهب ابن الحداد،