للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً؛ فإن الاستثناء المستغرق باطل، والمستثنى عنه نافذ بكماله، وفرّق الأصحاب بين البابين، بأن قالوا: الإتيان بالاستثناء المستغرق لا يبني عليه الجادُّ ابتداءً كلامَه، ولا يعدّ الكلام المتصل به منتظماً على جدٍّ وتحصيلٍ، وأمّا تعليق الكلام بالمشيئة، فمما يعدّ منتظماً، ثم قيل: الكلام بآخره.

وهذا يعتضد بأن قول القائل: أنت طالق ثلاثاًً إلا ثلاثاًً تعقيبُ إثبات بنفيٍ على التناقض [المحض] (١)، وقول القائل: "أنت طالق إن شاء الله" تعليقٌ بصفة صيغتها تتضمن التردّد؛ فإن مشيئة الله غيبٌ لا يُطَّلع عليه، فلم يكن مبنى الكلام على [التنافي] (٢) والتناقض، ثم إن وقع الحكم بانتفاء الطلاق لأمرٍ يقتضيه الشرع، فهذا لا يرجع إلى اختلال الكلام في نفسه. هذا هو الفرق.

٩١٦٧ - وقد حكيتُ فيما أظن عن صاحب التقريب: أن التعليق بمشيئة الله تعالى لا يؤثر في إبطال الألفاظ، وهذا شيء غريبٌ لا تعويل على مثله، وقد قدّمت ذكرَه في كتاب الإقرار، فالتفريع إذاً على ما عليه الأصحاب.

ثم لا فرق بين الطلاق والعتاق؛ فإن مشيئة الله غيبٌ في جميعها. وعن مالك: أنه قال: العتق المعلق بمشيئة الله ناجزٌ، والطلاق المعلّق بالمشيئة لا يقع (٣)، وقد أورد إسحاق في مسند مُعَاذ بن جَبَل عن يحيى بن يحيى عن إسماعيل بن عيّاشٍ عن حميد بن مالك اللخمي عن مكحُول عن معاذٍ أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معاذ ما خلق الله شيئاً على وجه الأرض أحبَّ إليه من العتاق، وما خلق الله شيئاً على


(١) في الأصل: المحيض، والمثبت تقدير منا.
(٢) في الأصل: التناهي، والمثبت من المحقق.
(٣) هكذا يروي الإمام عن مالك رضي الله عنهما: "أن العتق المعلق بمشيئة الله ناجز، والطلاق المعلق بالمشيئة لا يقع" ولكن الرافعي رضي الله عنه يقول: "روى هذا إمام الحرمين وجماعةٌ عن مالك، والأثبتُ عنه أنه لا يؤثر الاستثناء في العتق، ولا في الطلاق، وإنما يؤثر في اليمين بالله تعالى" (ر. الشرح الكبير: ٩/ ٣٤) وما قاله الرافعي صدَّقته مصادر الفقه المالكي وأمهات كتبه. (ر. الإشراف للقاضي عبد الوهاب: ٢/ ٧٤٨ مسألة: ١٣٦١، وعيون المجالس: ٣/ ١٢٤٠ مسألة: ٨٦٤، وجواهر الإكليل: ١/ ٣٥١، والتاج والإكليل للمواق بهامش الحطاب: ٤/ ٧٤، وحاشية الدسوقي: ٢/ ٣٩٢).