للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يختار الحكم بوقوع الطلاق، إذا قال: أنت طالق إلا أن يشاء الله.

ولستُ أنكر أن الفطِن الفقيهَ النفس قد يبتدر إلى هذا الجواب، ولكن لو تثبّت، وغضّ نَزَقَات (١) القريحة، ولم يُتْبع نظرَه بوادر مُضطرب النفس، وكان بصيراً بمعنى اللفظ، لتبيّن أن الوجه القطعُ بأن الطلاق لا يقع؛ وذلك أنه قال: إلا أن يشاء الله، فمعناه إلا أن يشاء الله أن لا يقع، فلا يقع، ومشيئةُ الله في تعلقه وعدم تعلّقه بالنفي والإثبات غَيبٌ، وقد أوضحنا بالمقدمات أن النفي في هذه الصّيغة متعلق بالطلاق، وليس الطلاق منجَّزاً، فهذا طلاق معلّق بنفي هو في حقنا غيبٌ، والأصل استمرار النكاح، وعدمُ وقوع الطلاق.

ثم قال قائلون من أصحابنا: إذا مات زيد، وكان قال الزوج: أنت طالق إلا أن يشاء زيد، ولم ندر أشاء أم لم يشأ، فالطلاق واقع.

ولو قال: أنت طالق إلا أن يشاء الله، فمشيئة الله غيب، ولا نحكم بوقوع الطلاق. ثم أخذ يفرق ويقول: المشيئة صفةٌ طارئة على زيدٍ، فالأصل عدمها، ومشيئة الله صفته الأزلية، فلا يقال: الأصل عدمها.

وهذا كلام أخرق لا بصيرة معه؛ فإن الطلاق ليس معلّقاً بنفس المشيئة، وإنما تعلُّقه بعدم مشيئة عدَمِ الطلاق، ومشيئة الله تتعلق ولا تتعلق، فعدم التعلق فيها متعلَّق طلاق الرجل، فما معنى قول القائل: الأصل ثبوت مشيئة الإله؟

ومن ألف كلامَنا وغشيَ أطراف مجلسنا، استهان بمثل هذا الكلام؛ فلا فرق إذاً بين أن يموت زيد ويستبهم علينا مشيئته، وبين أن يقع التعليق بمشيئةٍ أزليةٍ تعلُّقها غيب مستبهَمٌ علينا، فلا يقع الطلاق في الوجهين.

٩١٧٣ - وقد انتجز تمام الغرض، على تبرّم منا بالإطناب فيه، فإنه واضح، ومن أنعم النظر في مقدّماته، لم يخْفَ عليه دَرْكُ المقصود من آخره.

وإنما إشكال الفصل في أن يقول القائلُ: إذا أشكل أمر زيدٍ يقع الطلاق، وإذا قال: إلا أن يشاء الله لا يقع، وهذا أمرٌ لا ينفصل أبداً.


(١) نزقات: من النزق: وهو الخفة والطيش. (المعجم والمصباح).