للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عنها ليلاً فالجماع حرامٌ؛ لأنه قبل تبرئة الذمة عن الكفارة، ولكن صوم الشهرين لا يفسد بما جرى، والتتابع لا ينقطع، وقال أبو حنيفة (١) تفسد الكفارة.

وعبر الشافعي عن حقيقة المسألة بأن قال: الصوم مؤقت بالزمان المتقدّم على المسيس، فلو استفتح [شهرين] (٢) بعد المسيس، لكان جميع الصوم وراء الوقت، فإذا مضى بعض الصوم قبل المسيس، فهذا المقدار واقعٌ في الوقت، فإيقاع البقية (٣) وراء الوقت أقربُ إلى الامتثال من إيقاع الجميع وراء الوقت، والمسألة مشهورة مع أبي حنيفة.

٩٥٣٦ - ثم قال: "فإذا منع الجماعَ أحببتُ أن يمنع القُبَلَ ... إلى آخره" (٤). قد ذكرنا أن من ظاهر وعاد، التزم الكفارة، ولا يحل له الوطء ما لم يكفر، وإذا حرمت التي ظاهر عنها، وتحقق التحريم في الوطء، فهل يحرم سائر جهات الاستمتاع، كالمسّ والاعتناق والقبلة، وغيرها من وجوه الاستمتاع عدا (٥) الجماع؟ ظاهر النص (٦) هاهنا أنه لا يحرم شيء سوى الجماع، ونص في رواية الزعفراني على أنه يَحْرُم جميع جهات الاستمتاع، فحصل قولان: أحدهما - ولعله الأظهر أن جميع الجهات من الاستمتاعات تَحْرُم كالوطء، وما (٧) يحرّم الوطءَ من هذه الأجناس يحرِّم وجوه الاستمتاع كالعدة، والإحرام.

والقول الثاني - لا يحرم إلا الوطءُ، والمسيسُ في القرآن كنايةٌ عن الجماع، والقائل الأول يقول: هو محمول على حقيقته، ولا خلاف أن قوله تعالى: {إِذَا


(١) ر. مختصر اختلاف العلماء: ٢/ ٤٩٩ مسألة ١٠٤٣، المبسوط: ٦/ ٢٢٥.
(٢) في الأصل: بشهرين.
(٣) (ت ٢): النية.
(٤) ر. المختصر: ٤/ ١٢٤.
(٥) (ت ٢): عند الجماع.
(٦) (ت ٢): ظاهر المذهب.
(٧) "وما يحرّم الوطء من هذه الأجناس ... إلخ" هذا الكلام دليل آخر للقول القائل بحرمة جميع الاستمتاعات، فالمعنى أن المعهود فيما يحرّم الوطء مثل العدّة والإحرام - أنه يحرم جميع الاستمتاعات.