للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٩٦٨٠ - فأما إذا ثبت الرجم بالإقرار أو بلعان الزوج للشافعي (١) نصان كما حكيناهما: نصّه في اللعان أنه لا يؤخَّر، ونصه في الأقارير أنه يؤخَّر ويتوقف، فاختلف أصحابنا في المسألة على طريقين: منهم من قال: فيهما قولان بالنقل والتخريج: أحدهما - أنا نتأنى فيهما إلى مُضيّ الحر والبرد؛ لأن المقرَّ قد يصيبه أحجارٌ، فيرجع، والملاعِنُ قد يكون كاذباً ثم يشاهد المرجومة، فيرِقُّ لها، ويرى تعريضَ نفسه لحد القذف أهونَ مما يتداخله من الرقة عليها.

فإن كان هذا ممكناً، لم نبتدىء الحد لتوقع ما ذكرناه، ولا يُقدّرُ مثلُ هذا في شهادة العدول.

ومن أصحابنا من أقر النصّين في اللعان والإقرار قرارهما، وفَرَّق بأن المُقر هو المرجوم، فيغلبُ أن يرجع؛ فإن الرجوع عن الإقرار مما تستحث عليه الطبيعة والشريعةُ، وهذا في الجملة بيّن: أما حث الشرع، فسنذكر في الحدود أنا لا نؤثر للإنسان أن يقر على نفسه بفاحشة، وقد قال عليه السّلام: " من أتى من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله " (٢)، وهذا يستحثه والمقر صادقٌ، ثم يطرد هذا في الرجوع عن الإقرار، وفيه مسألتُنا، فأما تكذيبُ الزوج نفسَه في كَلِم اللعان، فهو مما لا نستحث عليه، ولا نأمر به، هذه الطريقةُ المشهور.

وذكر صاحب التقريب ما ذكرناه وطريقتين أخريين: إحداهما - طرد القولين في شهادة الشهود أيضاًً، بناء على تقدير الرجوع، سيّما وأدبُ الدين أن يحضروا موضع إقامة الحد، قال الله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ} [النور: ٢]، قال معظم المفسرين: أراد شهود الزنا، فلعل الغرض أن يعاينوا؛ فإنْ كان من رَيْبٍ، رجعوا إذا عاينوا.

والطريقة الأخرى - القطع بأن الثابت بالإقرار لا يؤخَّر قولاً واحداً، والقولان في الثابت بشهادة الشهود واللعان؛ فإن الإنسان لا يقر بما يوجب هلاكه إلا على ثَبَتٍ


(١) جواب أما (بدون الفاء).
(٢) حديت: من أتى من هذه القاذورات شيئاً ... الحديث. رواه مالك في الموطأ (٢/ ٨٢٥) والحاكم في المستدرك (٤/ ٢٤٤، ٣٨٣)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار: (٦/ ٣٥٨)، وانظر التلخيص: (٤/ ١٠٦ ح ٢٠٣٩).