للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عزيز، فجرت بينها وبين امرأة سوداء في جوارها خصومة، فأشاعت السوداءُ الخبرَ في الجيران: أني أرضعتُها وزوجَها، فسمعه الرّجل وساءه ذلك، فسأل أهلَه وأهلها، فقالوا: لا نعلم أنها أرضعتك، وذلك بمكة، [فركب] (١) إلى المدينة، وقال: يا رسول الله إني تزوجت بابنة أبي إهاب بن عزيز، وزعمت امرأة سوداء أنها أرضعتني وإياها، فوالله ما أرضعتني ولا أخبرتني قبل ذلك، فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم، فأعادها، فقال في الثالثة أو الرابعة: " كيف وقد زعمت السوداء أنها أرضعتكما " وفي رواية: " فكيف وقد قيل " (٢) فطلقها بين يدي رسول الله صلى الله عليه، ونكحت زوجاً غيره.

والحديث دل على فوائد: إحداها - أن الرّضاع لا يثبت بالإمكان، والدليل عليه إعراضُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتردده، وتركُ جزم القول بالتحريم، ثم دلت حالُه ومقاله على تأكيد الأمر بالتورّع، ثم فهم الرجل وجهَ الاحتياط في ذلك المجلس أو كان عَلِمه من قبل، فطلقها، وسكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما جرى دليلٌ آخر على أن الرضاع لم يكن محكوماً به؛ إذ لو كان، لما كان للطلاق معنىً، ودل أن مقتضى الورع التطليق، فإنها لو تركت تحت الإشكال والاحتمال، لأضرّ ذلك بها، ولو سُيِّبت، لم يحل لها أن تَنْكِح.

١٠٠٧٣ - ثم ذكر أن الزوجين لو تقارّا على الرضاع، ثبت وابتنى عليه فسادُ النكاح (٣)، ثم لا يخفى حكمه، ولو رجعا عن الإقرار، لم يُقبل رجوعهما، وقد ذكرنا في كتاب الطلاق والرّجعة أن المرأة لو ادعت انقضاءَ العدة، حيث تُصدَّق وأبطلت رجعةَ الزوج، فلو رجعت عن قولها، [فهل] (٤) يقبل رجوعها، وذكرنا


(١) في الأصل: وكتب إلى المدينة.
(٢) حديث زوج ابنة أبي إهاب رواه البخاري (الشهادات، باب إذا شهد شاهد أو شهود بشيء، وقال آخرون ما علمنا بذلك، يُحكم بقول من شهد، ح ٢٦٤٠) وانظر التلخيص ٤/ ١١ حديث رقم ١٨٤٣.
(٣) ر. المختصر: ٥/ ٦٥.
(٤) في الأصل: فقد.