للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا قلنا: يعجل ثم يستخدم، وجرينا على الأصح، وهو إيجاب الأقل، فلا يقدِّم إلا نفقةَ اليوم، وإن كان قد يستخدمه في غَرْمه (١) أياماً؛ فإن إيجاب تعجيل ما لم يجب محال، وقد ذكرنا أن نفقة كل يوم تجب من صُبحه.

وهذا القدر من التفريع كافٍ منبهٌ على الغرض، على أني لست على اعتقاد سديد في إيجاب التعجيل، ولا أوثر أن يُلحق بالمذهب، وإنما الملتحق بالمذهب الوجهان الآخران، وليس كالنفقة ينقدها الزوج فلا يملك السيد التصرف فيه قبل الإتيان ببدله؛ فإن ذلك المنقود شيء موجود تعلق به وثيقة الزوجة.

١٠١٤٥ - ومما أجراه العراقيون في أثناء الكلام أن قالوا إذا أعسر العبد بنفقة زوجته، وعجز عن الكسب، فهل تتعلق النفقة برقبته؟ ذكروا في ذلك وجهين: أحدهما - أنه يتعلق بالرقبة، وهذا لا يعرفه المراوزة، وهو ساقط؛ من جهة أن النفقة والمهر من حقوق المعاملات المتعلقة بالعقود، وحقّ ما هذا سبيله ألاّ يتعلق إلا بالكسب، ولست أرى لهذا الوجه الغريب الذي حكاه العراقيون وجهاً إلا التحاقَ العقد بأروش الجنايات، وقد ذكرنا في النكاح الفاسد قولاً أن مهر المثل يتعلق بالرقبة، وإن صدر النكاح عن إذن من له المهر.

فإن قلنا: النفقة لا تتعلق بالرقبة، فإذا تحقق الإعسار، ثبت الفسخ، فلو قال السيد: لا تفسخي حتى أنفق، فهل لها أن تفسخ؟ أوَّلاً - إذا أعسر الحر بنفقة زوجته، فتبرع أجنبي بالنفقة، لم يمتنع حقُّ الفسخ على الزوجة. وإن تبرع على الزوج، فهو الممنون عليه، ثم الزوج ينفق، فلا تفسخ، ولا شك في هذا.

أما السيد إذا تبرع بالنفقة، ففيه تردد ظاهر، وسببه أن المنافع ملكُ السيد، وكان للسيد أن يستخدم العبد ويؤدي النفقة من خاص ماله، فإذا أدى الآن، فليس على حكم المتبرعين. هذا وجه.

ويجوز أن يقال: لا يجب على السيد أن ينفق إذا أعسر العبد، فهو إذا بذل عند إعسار العبد متبرعٌ.


(١) المعنى: أنه لا يقدّم إلا نفقة اليوم، مهما كان عدد الأيام التي استخدمه فيها قبلاً.