للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التعجيلَ، قال: النكاح منبتٌّ، ولقد كان سبباً لإيجاب النفقة، فزال، ولم يتحقق الحملُ، والأصل براءةُ الذمة، فلا وجه للمصير إلى تنجيز النفقة إيجاباً.

ومن نصر القول الثاني، وهو الأصح، بل حُكم أصل الشافعي القطعُ بإيجاب

التعجيل؛ فإنه تلقى وجوبَ النفقة من ظاهر القرآن، وقد قال عز من قائل: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦]، فصرّح الخطابُ باستفتاح الإنفاق وامتداده إلى وضع الحمل، ومن أخر الإنفاق، فهو في حكم المخالف لنص القرآن، وهذا المسلك في التمسك بظاهر القرآن يضاهي تعلُّقَنا بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في الدية المغلّظة: [إذ قال] (١): " وأربعون خلفة في بطونها أولادها " فاقتضى فحوى قول المصطفى الحكمَ بتقدير الأجنة في بطون الأمهات إذا ظهرت العلامات، فكان الحمل في هذا في حكم المعلوم المقطوع به.

ويتأيد هذا القولُ بمسلكٍ آخر عليه ابتناءُ النفقات، وهو أنها لو أُخرت النفقة عنها قد تتضرّر، وقد يُفضي الأمر إلى الإجهاض، فلا يليق بمحاسن الشريعة تجويزُ تأخير الإنفاق، والغرض من الإنفاق تربية الحمل.

فإن قيل: هذا الذي ذكرتموه من التعلق بالقرآن والمعنى مرتفعٌ عن درجة الظنون؛ فأي متعلَّقٍ يبقى للقول الآخر؟ قلنا: لعل ذلك القائل يجعل فحوى الخطاب في الكتاب لتقدير مدةِ النفقة لا للتعجيل، وليس هذا كقوله عليه السلام في الديات: " الأربعون خلفة "؛ فإنه قال: " في بطونها أولادها " فإن الأولاد إذا انفصلت، وصارت فُصلاناً وأَحْوِرة (٢)، فليست هي خَلِفات، وليس في بطونها أولادها، فلا يتطرق إلى ذلك إمكان التأويل، ولو انفصلت أولادُها واستُحِقت تابعةً، [لزاد] (٣) العدد على المائة بخلاف ما نحن فيه. وأما إفضاء تأخير الإنفاق إلى إهلاك الجنين، فليس بذاك؛ فإنها ستنفق من مال نفسها، وإن لم تجد، لم تضِع في وضع الشرع،


(١) في الأصل: أن قال.
(٢) الفصلان والأحورة: جمع فصيل وجمع حُوار، وهما من أسماء الإبل في أول عمرها. ثم هي في الأصل (أجورة).
(٣) في الأصل: أراد العدد.