ولكن سوّغ لنا هنا تغيير العبارة في الصلب إيمانُنا الجازم بأن هذا سبقُ قلم، غير معمودٍ ولا مقصود، وباستحالة أن يريد المؤلف نسبة ذلك القول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودليلنا على هذا الجزم والقطع عدة أمور نوجزها فيما يأتي: أولاً - إن إمام الحرمين من الذين يُحيطون بالأدب العربي شعره، ونثره، وأمثاله، وحِكمه، يظهر هذا في أسلوبه، وتضمين كلامه جملاً مأثورة، وأمثالاً مشهورة، وحكماً شائعة، وأشطاراً -من الشعر- ذائعة، فكيف يقع في هذا الخلط الخطير، والوهم الغليظ، فينسب هذه الحكمة المشهورة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.!!! ثانياً - إن الذين كتبوا عن إمام الحرمين ومعرفته بالحديث أخذوا عليه مواضع كثيرة من كتابه هذا، واشتد نكيرهم عليه في أشياء دون هذا بكثير: من مثل قوله عن حديث معاذ في الاجتهاد - "إنه مدون في الصحاح"، والذي يقرأ البدر المنير لابن الملقن وهو من هو منزلة في المذهب وإحاطة به يشر بأنه قرأ النهاية كلمة كلمة ويتتبعه في الأوهام الحديثية، ويسجل عليه دقها وجليلها، فكيف يفوته هذا الوهم الغليظ؟ وكذلك نجد الحافظ في تلخيص الحبير يتتبع إمام الحرمين، ويعنف به، ويُغلظ له كلما رأى وهماً أو تساهلاً في مجال الحديث، فكيف لم يعقب على هذا؟ ولايظنن ظان أن الحافظ ربما لم يقع على هذا الموضع في النهاية، لا يقولن أحد ذلك؛ فالذي يقرأ الحافظ في التلخيص، وفي الفتح يتأكد لديه أنه قرأ النهاية، فالحافظ هو أيضاً من هو منزلةً في المذهب، وإحاطةً بكتبه. وكذلك ابن الصلاح والنووي، وغيرهما من الذين سجلوا مآخذ وأوهاماً حديثية على إمام الحرمين لم يذكر أحد منهم هذا، ولا يستطيع أحد -له إلفٌ بكتب النووي، ومعرفةٌ بالمذهب - أن يزعم أن النووي لم يقرأ النهاية كلمة كلمة، إن لم نقل: إنه كان يحفظها عن ظهر قلب. ثالثاً -قد اختصر النهاية-فيمن اختصرها- العز بن عبد السلام، وبالقطع قرأها كلمة كلمة، ولم نجده أشار إلى هذه الطامة، ولم يتعقب الإمامَ فيها، مع أنه تعقبه فيما دون ذلك بكثير. رابعاً - قد تعقب إمامَ الحرمين كثير من خصومه وشانئيه من رجال المذهب، وغير المذهب ولم يشر أحد إلى هذه الطامّة، ولا يحتمل ذلك إلا أمرين - لا ثالث لهما: الأول - أن نسخ النهاية التي وقعت لهم لم يكن فيها هذا الخلل. الثاني- أنهم رأوه، وحملوه على أنه سبق قلم -مما قد يقع فيه كل أحد- فلا يؤاخذ به من وقع فيه، فلم يحملوه على الإمام، ولم يؤاخذوه به، ولم يشيروا إليه. =