للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للقتل" (١) والمعنَى أنّ قتلَ القاتل وإن كان [إزهاقَ] (٢) روح، ففيه إفادةُ [انزجار] (٣)


= وبين يديّ الآن واقعةٌ قائمة تشهد بصحة ما أقول، حيث تحقق فيها الاحتمالان معاً، فقد وجدنا الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير، يقع على وهم غليظ للرافعي في (الشرح الكبير)، فيحسن الظن به، ولا يؤاخذه بمقتضاه.
وتفصيل ذلك: أن ابن حجر نقل عن الإمام الرافعي في كتاب الأطعمة من (الشرح الكبير) قوله "وفي النهي عن قتل الوزغ دليل على تحريم أنواع الحشرات" ثم عقب الحافظ قائلاً: "هذا من أعجب المواضع التي وقعت لهذا المصنف مع جلالته؛ فإنه خلاف المنقول، ففي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ، وسماه فويسقاً" وللبخاري ومسلم عن أم شريك: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ" ... ثم عقب قائلاً: "ولعله رحمه الله أراد أن يكتب وفي الأمر بقتله، فكتب وفي النهي عن قتله" (ر. تلخيص الحبير: ٤/ ٢٨٥، ٢٨٦).
فالحافظ يحمل الأمر على سبق قلمٍ غير مرادٍ.
خامساً - لقد علّمنا إمام الحرمين أن نتوقف في مثل هذا، ولا نؤاخذ به قائله، فقد رأيناه في كتابنا هذا كلّما نقل كلاماً ظاهرَ الخطأ عن أحد الأئمة، يقول: "وهذا زلل في النقل، فقدرُ الرجل عندي أجلُّ من أن يُنْسَب إليه هذا" وأحياناً يجعلها قاعدة عامة وقانوناً متبعاً، فيقول: "وليس يليق نسبة أحد من المرموقين إلى نحو هذا، بل يجب الحمل على الخلل في النقل" تكرر هذا منه عشرات المرات، وآخر ما رأيته من ذلك ما بين يدي اليوم قوله: "ورأيت في نسخة من نسخ الصيدلاني إلحاقَه المبعَّضَ بالمدبّر وأم الولد، وهذا خطأ صريح، وأحسَبه من خلل النسخة، وسأراجع نسخة أخرى إن شاء الله تعالى" ا. هـ. بنصه من كتاب الحدود في مسألة إقامة السيد الحد على مملوكه.
فهو - يعلّمنا أن مثلَ هذه الأخطأء الصريحة لا يصح أن تحمل على الأئمة.
(١) في الأصل: "القتل نفي القتل" والمشهور المعروف ما أثبتناه، أورده الميداني في مجمع الأمثال (ر. معجم الأمثال العربية: ٣/حرف القاف).
وقد جرت واحدة من كبريات المعارك الأدبية في العشرينيات (١٩٢٣) حول هذه العبارة، حيث ادعى أحدهم أنها أبلغ من الآية الكريمة "ولكم في القصاص حياة" وجلّى في هذه المعركة عملاق الأدب العربي الأصيل مصطفى صادق الرافعي رحمه الله وهو من الذين عُمِّيت أخبارهم وعُفِّي على آثارهم؛ فحرمت الأجيال من نبعٍ صافٍ أصيل وبقيت تشرب الكدر والدُّرْدي. والله المستعان على كل بليّة.
إن شئت راجع طرفاً من هذه المعركة في وحي القلم للرافعي (٣/ ٣٩٧).
(٢) مكان كلمة غير مقروءة في الأصل.
(٣) في الأصل: أثر جاد.