للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والضريب مضروب على الغنيّ والمتوسط، وقد استعمل الأصحاب هذه الألفاظ، وأطلقوها: [أما الفقر فأقرب مُدرك له الفحصُ عن مقدار المضروب، فنعتبر الغنى عنه، ونعتبر الاحتياج إليه] (١)، فأما الغنى والتوسط، فلفظان مطلقان لم يتعرض [لبيانهما] (٢) أحد، ولا يمكننا أن نقول: الغني من تجاوز حد الفقر، فيسقط المتوسط من الوسط، وإن رددنا المتوسط والغني إلى أسماء النِّسب حتى نقول: هؤلاء متوسطون بالإضافة إلى من فوقهم، فهذا وإن كان تَحْويماً على المقصود، فليس فيه شفاء، وليس الغنى والتوسط من الألفاظ التوقيفية حتى نسلك فيها طريق الاتباع، فما الوجه؛ وكيف السبيل؟

أما الفقير، فلا يمكن وصفه بالذي يستحق سهمَ المساكين، فإذا أخرجنا [المعتمِل] (٣) من التحمل مع العلم بأن المكتسب الذي يرد كسبُه عليه بُلغتَه وحاجتَه لا يأخذ من سهم الفقراء والمساكين شيئاً، ولا يُضرب عليه من العقل شيء؛ إذ يبعد أن يكلف أن يكتسب ويؤدي أرش جناية غيره، والتحملُ موضوع على فضلات أموال العاقلة، لا على طاقتهم واستمكانهم من تحصيله، هذا أصل الشافعي رضي الله عنه، والفِطرة لا تجب على [الكسوب] (٤) عن نفسه، ثم عمن يفرض التحمل عنه، فكيف نقدّر الضربَ على من لا يملك ويقدر على الكسب، وإن قلنا: الفقير الذي لا مال له، اعترض علينا النظر فيمن يملك مسكناً وخادماً، وانتشرت أطراف الكلام في الأمور التي قدرناها في الكفارات المرتبة.

فالوجه أن نقول: ما تتحمله العاقلة، فسبيله المواساة، وهذا الضرب يجب أن يكون واقعاً وراء حاجةِ تحمّل المُواسي، ويجب ألا يكون لما يقدّر له أرش أثر وموقع في الباذل، ويخرج من هذا الأصل [أنا] (٥) لا نكلفه أن يبيع شيئاً من مسكنه الذي


(١) عبارة الأصل لم يتيسر لنا إقامتها، فقد جاءت هكذا: "والفقر من دركه على ما فيه من عاقلة في مقصودها" والمثبت في جملته من كلام الغزالي في البسيط: ٥/ورقة: ٨٢ يمين).
(٢) في الأصل كلمة كير مقروءة رسمت هكذا: (اسا ـهما) بدون نقط.
(٣) في الأصل: "المعتمد".
(٤) في الأصل: "السكوت".
(٥) في الأصل: "أن".