للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استحق دعواه عليهما، ولم يتعلق بشهادة الآخرين حكم.

ولو ابتدر الأولان، فشهدا من غير دعوى من المدعي، ثم شهد المشهود عليهما على الأولين من غير دعوى، فالذي ذهب إليه المحققون أن شهادة الكل مردودة؛ لأنها مشروطة بتقدم الدعوى، وإنما تقبل الشهادة ابتداء على طريق الحسبة فيما يغلب فيه حق الله تعالى، كما سيأتي، مواضع شهادة الحسبة في موضعها، إن شاء الله تعالى.

وقال قائلون: شهادة الحسبة مقبولة في حُقوق الآدميين من غير تقدم دعوى، وهي مجراة مجرى الإعانة والإرشاد والتنبيه على استحقاق الحقوق، ثم من سلك هذا المسلك افترقوا: فمنهم من قال: شهادة الحسبة إنما (١) تقبل إذا لم يكن ذو الحق عالماً بحقه، فتجري الشهادة مجرى الإعلام والإثباتِ لحقٍّ مُشرفٍ على الضياع.

فأما إذا كان ربُّ الحق عالماً بحقه، فشهادة الحسبة مردودة.

ومن أصحابنا من قال: إذا لم نشترط تقدم الدعوى، وقبلنا شهادة الحسبة، لم نفرق بين أن يكون صاحب الحق عالماً بحقه، وبين ألا يكون عالماً به، وهذا الوجه أقرب في التفريع على هذا الوجه الضعيف.

والمذهب المعتمد ردُّ الشهادة التي لا تتقدمها الدعوى.

وكان شيخي يقرّب الخلاف في شهادة الحسبة من أصلٍ في المغصُوب، وهو أن من رأى مالاً مغصوباً في يد الغاصب، فهل له أن يأخذه من يده ويحفظه على مالكه، من غير إذنٍ من المالك، ولا نصبٍ من الوالي؟ فيه اختلافٌ. ووجه المناظرة بيّنٌ.

ثم ما ذكرناه لا يختص بالقصاص، بل يجري في الأموال، ولو قال قائل: هذا الخلاف يختص جريانه بالمال دون القصاص، لم يُبعد، والوجه التسوية؛ فإن القصاص مع تعرضه للسقوط بالشبهات خُصّ بمزيد في الإثبات لا يثبُت مثله في الأموال، وهو أيمان القسامة.

فهذا منتهى ما أردناه.


(١) ت ٤: "لا تقبل".