للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من غير تقدّم (١) الدعوى، فلو ابتدر الشاهد وشهد، ورددنا شهادته لوقوعها قبل الدعوى، فإذا ادعى المدعي، فلا شك أنه لا نكتفي بالشهادة المتقدمة، ولكن لو استعادها فأقامها الشاهد مرة أخرى، أو أعادها، فهل تقبل الشهادة المعادة منه؟ فعلى وجهين مشهورين، ولأصحابنا في إيرادهما مسلكان:

أحدهما - وهو الذي ذهب إليه الجمهور أنا إن قبلناها -وهو القياس- فقد لغا ما تقدم، وإن لم نقبلها معادةً، فالسبب فيه ما ظهر من تشوّف الشاهد إلى الشهادة، وهذا يُلحق به تهمةً في مقصود الواقعة.

ثم استتم هؤلاء التفريع وقالوا: إذا رددنا الشهادة المعادة، فالمخلِّص من هذا التعذر أن يتوب الشاهد عما جرى له، ويذكر أنه لا يعاود مثله، ولا يبادر الشهادة قبل الاستشهاد، ثم الفاسق إذا تاب، لم تقبل شهادته حتى يُستبرأ شهراً (٢). قال الأصحاب: هذا المبتدر يُستبرأ أيضاً، ولا يبلغ استبراؤه مبلغ استبراء الفاسق يتوب؛ فإن الغرض يحصل بأن يتبين لنا [تنبهه] (٣) لإقامة الشهادة في حقها ووقتها [وترك] (٤) ما يدل على (٥) غرضه من التشوّف والابتدار.

وهذا المسلك وإن كان ظاهراً، فليس على ما أوثره وأحبه.

(٦) وقال قائلون من أئمتنا: سبيل (٧) ردّ الشهادة المعادة أنها جرت، فرُدَّت ممن كان على الجملة متمكناً من شهادة مقبولة، ومن رُدّت له شهادة مقبولة على هذا النعت، فإذا أعادها، لم تُقبل منه، كما لو شهد الفاسق في حالة فسقه، فرُدت شهادته، فلو تاب وظهرت عدالته، فأدى تلك الشهادة، لم تُقبل منه، فكذلك القول


(١) ت ٤: " تعرص ".
(٢) في ت ٤: " أشهراً ". ولم أصل إلى تحديد مدة الاستبراء هذه في البسيط، ولا الشرح الكبير، ولا الروضة، ففيها كلها إشارة موجزة إلى الاستبراء، بدون ذكر الشهر والأشهر.
(٣) في الأصل: " شبهه "، في (ت ٤) لا تكاد تقرأ.
(٤) في الأصل: " ترك "، وفي (ت ٤): " ونزل ".
(٥) ت ٤: "عليه ".
(٦) هذا هو المسلك الثاني.
(٧) سقطت من (ت ٤).