للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في ابتدار الشهادة قبل الدعوى مع إعادتها بعد الدعوى، وهؤلاء يقولون: لا تقبل منه تلك الشهادة أبداً، فلا ينفع قبول (١) توبته، ولا استبراؤه، وهذا تباين عظيم بين المسلكين.

فإن قيل: هذا الذي ذكرتموه ظاهر، و [قد قلتم] (٢) الأظهر قبول الشهادة المعادة من غير توبة ولا استبراء؟ قلنا: الفرق ظاهر بين ما نحن فيه وبين الفاسق ترد شهادته، وذلك أن الفاسق إذا ردت شهادته يلحقه غضاضة تبلغ [به] (٣) الأنفة، فقد يتهم في إعادة تلك الشهادة (٤)، وسيأتي تقرير هذا في موضعه، إن شاء الله.

وأما من ردَّت شهادته المقامة قبل الدعوى، فلا غضاضة عليه، بل يقال له: ابتدرت الشهادة وأنت من أهلها، فاصبر حتى يدخل وقت إقامة الشهادة، فإذا دخل بصدور الدعوى من المدعي، فأقمها، وليس هذا كما لو ردت شهادة الفاسق لاتصافه [بنقيصة] (٥) الفسق، والفسق مما يكتم ولا يتظاهر به، وإذا نسب الشخص إليه حرص [على] (٦) إظهار نقيضه.

ومما يتعلق بذلك أن صاحب الحق إذا تولى الدعوى بنفسه بعد تقدم شهادة الأولَيْن على الآخَرَيْن، وشهادة والآخرين على الأولَيْن وقلنا: تقبل [شهادة الحسبة] (٧) قبل الدعوى والاستشهاد، فإن صدّق الأولَيْن، ثبت الحق على والآخرَيْن، من غير حاجة إلى استعادة الشهادة، وإن صدق والآخرَيْن، تفرع ذلك على ما قدمناه من أن شهادتهما هل تقبل مع اشتمالها على الدفع، وتعرضهما للعداوة؟ فإن قبلناها، ثبت الحق على


(١) ت ٤: " فلا ينفع فيه توبة ولا استبراء ".
(٢) زيادة من (ت ٤).
(٣) في الأصل: " بها ".
(٤) المعنى أنه إذا ردّت شهادته فتلحقه غضاضة بانكشاف فسقه، فإذا تاب، وقبلنا شهادته، فإذا أعاد تلك الشهادة المردودة، فهو في موضع التهمة لإزالة الغضاضة التي لحقته بسبب تلك الشهادة.
(٥) في الأصل: " بنقيض ".
(٦) في النسختين: " في ".
(٧) في الأصل: " الشهادة حيث ".