والذي يوضح ذلك أن ضمان السارق المالَ يسبق استيجابه القطعَ؛ فإنه إذا أثبت يده على مال الغير، ضمنه بالعدوان، ثم يستوجب القطع بالإخراج من الحرز.
والطريقة المُثلى المصير إلى أن القطع يسقط، والغرم يبقى، وقد ذهب إلى القطع بسقوط القطع وبقاء الغرم طوائف من المحققين، منهم الصيدلاني وغيره، وليس هذا كإقرار العبد؛ فإن سبب قبول إقراره انتفاء التهمة، ولولا ذلك، لما قبلنا إقراره في القطع، وفيه إتلاف طرف مملوك للسيد، ولو أقر الرجل بأنه استكره جارية على الزنا، وثبت عليه الحد والمهر بإقراره، فلو رجع عن الإقرار، لم يسقط المهر، وفي سقوط حد الزنا جوابان للقاضي. قال: يحتمل أن يكون كحد السرقة، ويحتمل أن يقال: يسقط الحد قولاً واحداً؛ لأن وجوب الحد ينفك عن المهر، ووجوب القطع لا ينفك عن مطالبةٍ بردّ عينٍ أو غرم، فارتباط القطع بالمال أشد من ارتباط الحد بالمهر.
ومن سلك الطريقة الثانية في حد السرقة وقال: إذا رجع عن الإقرار، سقط الحد، وفي الغرم خلاف قد يلتزم مثل هذا فيه إذا أقر بالاستكراه على الزنا ثم رجع عن الإقرار، فيقول: الحد يسقط، وفي سقوط المهر تردد.
وكل ذلك خبط، والوجه القطع ببقاء المال، وسقوط الحد.
١١١٣٩ - ثم قال الأصحاب: إذا رأينا سقوط القطع بالرجوع عن الإقرار، فقطع الجلاد بعض اليد، فرجع، فعلى الجلاد أن يكف، فلو قال الراجع: اقطع البقية وأرحني، فإن كان الباقي على حياة، فلا يحل قطعه، وإن بقيت جلدة نعلم أنها لا تستقل، وستسقط، فيجوز قطعها.
وليس هذا من أحكام الحد، بل كل من قطع يده ظلماً أو حداً، أو انقطع بعض يده لمصادمة آلةٍ، فإن كان في الباقي حياة، فلا سبيل إلى قطعه، وإن كان كالجلدة التي وصفناها، فالخِيرةُ إلى صاحب اليد: فإن أراد قطعها، [فلمن يأمره بقطعها أن يقطعها](١)، وإن أراد تركها، تركها، وقد استقصيت حكم ذلك في الجراح، [في
(١) عبارة الأصل: " فلم يأمره بقطعها، وإن أراد تركها ... " والمثبت من (ت ٤).